الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الضرب الثاني : في انتقاله إلى دين لا يقر عليه أهله ، كانتقاله من يهودية أو نصرانية أو مجوسية إلى وثنية ، أو زندقة ، فإنه لا يقر عليه ، ويؤخذ بالانتقال عنه : لأنه لا حرمة لما انتقل إليه ، ولا يجوز إقرار أهله عليه ، فكان إقرار غير أهله أولى أن لا يجوز ، وإذا كان كذلك ففي الذي يؤمر بالرجوع إليه ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : الإسلام لا غير : لأنه دين الحق ، فكان أحق بالعود إليه .

                                                                                                                                            القول الثاني : الإسلام أو دينه الذي كان عليه لما تقدم من صلحه عليه .

                                                                                                                                            والقول الثالث : الإسلام ، أو دينه الذي كان عليه ، أو دين يقر أهله عليه ، ففيما علا كاليهودية ، والنصرانية ، أو انخفض كالمجوسية : لأن الكفر كله ملة واحدة ، وفي صفة دعائه إلى ذلك ما قدمناه من الوجهين .

                                                                                                                                            فإن عاد إلى المأمور به من الدين أقر عليه ، ولا جزية عليه فيما بين انتقاله وعوده لأنه في حكم المرتدة ، ولا جزية على مرتد ، وإن امتنع من العود إلى الدين المأمور به ففيما يلزم من حكمه قولان على ما مضى :

                                                                                                                                            أحدهما : ينبذ إليه عهده ، ويبلغ مأمنه بماله وبمن أطاعه من ذريته ، ثم يكون حربا .

                                                                                                                                            فأما من تمانع عليه من ذريته : فمن كان منهم بالغا من نسائه وبناته ، كان أملك بنفسه ، ومن كان منهم صغيرا روعي مستحق حضانته ، فإن كان هو المستحق لها ، كان له إخراجهم جبرا ، وعاونه الإمام عليه ، وإن كان المقيم أحق بحضانته منع منهم ، وأقر مع المقيم .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه يصير في حكم المرتد يستتاب ، فإن تاب ، وإلا قتل ، ويكون ماله فيئا لبيت المال .

                                                                                                                                            فأما ذريته فمن كان منهم بالغا ، فله حكم معتقده بنفسه ، فإن أقام على دينه أقر عليه ، وإن انتقل عنه مع وليه صار على حكمه .

                                                                                                                                            [ ص: 378 ] فأما من كان منهم صغيرا ، فهو على دينه الأول لا يزول عنه حكمه بانتقال أبيه كما لا يصير ولد المرتد مرتدا ، فإن كان لصغار أولاده أم وعصبة كانوا في كفالة أمهم ، وفي جزية عصبتهم .

                                                                                                                                            وإن كان لهم أم ، ولم يكن لهم عصبة كانوا في كفالة أمهم ، وفي جزية قومها ، وإن كان لهم عصبة ، ولم يكن لهم أم كانوا في كفالة عصبتهم ، وفي جزيتهم ، وإن لم يكن لهم أم ولا عصبة كانوا في كفالة أهل دينهم ، وفي جزيتهم : لقول الله تعالى : والذين كفروا بعضهم أولياء بعض فكانوا ألحق بكفالتهم من المسلمين ، فإن تمانعوا من كفالتهم أقرع بينهم ، وأجبر عليها من قرع منهم .

                                                                                                                                            فأما نفقاتهم إذا لم يكن لهم مال ، ولا ذو قرابة يلتزمها ، ولا وجد في قومهم متطوع بها ، فهي مستحقة من تركة من مات منهم عن غير وارث : لأنها ، وإن كانت تصير إلى بيت المال ، فبعد فواضل الحقوق .

                                                                                                                                            ولو قيل : إنها في سهم المصالح من خمس الخمس كان مذهبا ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية