مسألة : قال
الشافعي ، رحمه الله تعالى : " وأقل ما يقع عليه اسم خطبة منهما أن
[ ص: 442 ] يحمد الله ويصلي على النبي ويوصي بتقوى الله وطاعته ويقرأ آية في الأولى ويحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويوصي بتقوى الله ويدعو في الآخرة : لأن معقولا أن الخطبة جمع بعض الكلام من وجوه إلى بعض وهذا من أوجزه " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال .
nindex.php?page=treesubj&link=939_940_941_942أقل ما يجزي من الخطبة ، ولا يجوز الاقتصار على ما دونه أربعة أشياء : حمد الله تعالى ، والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم ، والوصية بتقوى الله سبحانه ، وقراءة آية .
وقال
أبو حنيفة : إذا ذكر الله سبحانه فقال : الحمد لله ، أو سبحان الله ، أو الله أكبر ، فقد أجزأه استدلالا بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=9إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله [ الجمعة : 9 ] .
فكان المراد بقوله " ذكر الله " سبحانه الخطبة ، فاقتضى العموم جواز أي ذكر كان .
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921791من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بئس الخطيب أنت فسماه خطيبا بهذا القدر . قال : وقد روي أن
عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، صعد المنبر ليخطب فقال : الحمد لله ، ثم أرتج عليه . فنزل درجة وقال إن
أبا بكر وعمر ، رضي الله عنهما ، كانا يعدان لهذا المقام مقالة ، وإني ما أعددت له مقالا ، وإنكم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال ، وسأعد ما أقول ، وأستغفر الله لي ولكم ، ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ، وصلى الجمعة ، فما أنكر عليه أحد من الصحابة . ولأن أي ما ذكرناه غير مجز ولأنه ذكر من شرط صحة الصلاة ، فوجب أن يجزي منه ما يقع عليه اسم الذكر كتكبيرة الإحرام .
والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه : فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوارد على وجه البيان لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=9فاسعوا إلى ذكر الله سبحانه ، وفعله المنقول خطبة بجميع ما ذكرناه وصلاة ركعتين ، فلم يجز الاقتصار على ما دونه ، ولأن الخطبة عند العرب والمتعارف في الشرع إنما هي جمع كلام اختلف ألفاظه ومعانيه ، وهو بمجرد الذكر لا يكون خطيبا عرفا ولا شرعا ، ولأن الجمعة ظهر مقصور بشرائط ، فوجب أن يكون الرجوع في شرائطها إلى أحد أمرين : إما فعله صلى الله عليه وسلم ، أو ما يجمع على كونه شرطا ، وما ذكرناه ثابت بهما جميعا ، ولأنه ذكر لصلاة مفروضة مقدم عليها ، فوجب أن لا يجزئ منها ما يقع عليه اسم الذكر كالأذان . الجواب : أما الآية فقد ثبت أن الذكر فيها مجمل . أما قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=921792بئس الخطيب [ ص: 443 ] أنت " ، فحجة لنا : لأنه نفى أن يكون خطيبا ، وإنما سماه ليصح اقتران الاسم به ، كما نهى صلى الله عليه وسلم عن نكاح الشغار فسماه نكاحا ليلحق الفساد به .
وأما حديث
عثمان ، رضي الله عنه ، ففيه جوابان :
أحدهما : أنه أرتج عليه بعد إتيانه بالواجب .
والثاني : أن ذلك كان في خطبة البيعة ، وليست واجبة .
وأما قياسهم على تكبيرة الإحرام : فلا يصح الجمع بينهما لاختلاف المقصود بهما ، فالمقصود من الإحرام : انعقاد الصلاة . والمقصود من الخطبة : الموعظة ، وبمجرد الذكر لا يكون واعظا والله أعلم .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ خُطْبَةٍ مِنْهُمَا أَنْ
[ ص: 442 ] يَحْمَدَ اللَّهَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ وَيُوصِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ وَيَقْرَأَ آيَةً فِي الْأُولَى وَيَحْمَدَ اللَّهَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُيُوصِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَيَدْعُوَ فِي الْآخِرَةِ : لِأَنَّ مَعْقُولًا أَنَّ الْخُطْبَةَ جَمْعُ بَعْضِ الْكَلَامِ مِنْ وُجُوهٍ إِلَى بَعْضٍ وَهَذَا مِنْ أَوْجَزِهِ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ .
nindex.php?page=treesubj&link=939_940_941_942أَقَلُّ مَا يُجْزِي مِنَ الْخُطْبَةِ ، وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا دُونَهُ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ : حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالصَّلَاةُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، وَقِرَاءَةُ آيَةٍ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : إِذَا ذَكَرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ ، أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ ، فَقَدْ أَجْزَأَهُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=9إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [ الْجُمْعَةِ : 9 ] .
فَكَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " ذِكْرِ اللَّهِ " سُبْحَانَهُ الْخُطْبَةَ ، فَاقْتَضَى الْعُمُومُ جَوَازَ أَيِّ ذِكْرٍ كَانَ .
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921791مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ فَسَمَّاهُ خَطِيبًا بِهَذَا الْقَدْرِ . قَالَ : وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ
عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، صَعِدَ الْمِنْبَرَ لِيَخْطُبَ فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، ثُمَّ أُرْتِجَ عَلَيْهِ . فَنَزَلَ دَرَجَةً وَقَالَ إِنَّ
أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، كَانَا يُعِدَّانِ لِهَذَا الْمَقَامِ مَقَالَةً ، وَإِنِّي مَا أَعْدَدْتُ لَهُ مَقَالًا ، وَإِنَّكُمْ إِلَى إِمَامٍ فَعَّالٍ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إِلَى إِمَامٍ قَوَّالٍ ، وَسَأَعُدُّ مَا أَقُولُ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَصَلَّى الْجُمْعَةَ ، فَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ . وَلِأَنَّ أَيَّ مَا ذَكَرْنَاهُ غَيْرُ مُجْزٍ وَلِأَنَّهُ ذُكِرَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ ، فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِيَ مِنْهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الذِّكْرِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ .
وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ : فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَارِدُ عَلَى وَجْهِ الْبَيَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=9فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، وَفِعْلُهُ الْمَنْقُولُ خُطْبَةٌ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ ، فَلَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا دُونَهُ ، وَلِأَنَّ الْخُطْبَةَ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْمُتَعَارَفِ فِي الشَّرْعِ إِنَّمَا هِيَ جَمْعُ كَلَامٍ اخْتَلَفَ أَلْفَاظُهُ وَمَعَانِيهِ ، وَهُوَ بِمُجَرَّدِ الذِّكْرِ لَا يَكُونُ خَطِيبًا عُرْفًا وَلَا شَرْعًا ، وَلِأَنَّ الْجُمْعَةَ ظُهْرٌ مَقْصُورٌ بِشَرَائِطَ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ فِي شَرَائِطِهَا إِلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ مَا يُجْمَعُ عَلَى كَوْنِهِ شَرْطًا ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ ثَابِتٌ بِهِمَا جَمِيعًا ، وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ لِصَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ مِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الذِّكْرِ كَالْأَذَانِ . الْجَوَابُ : أَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الذِّكْرَ فِيهَا مُجْمَلٌ . أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=921792بِئْسَ الْخَطِيبُ [ ص: 443 ] أَنْتَ " ، فَحُجَّةٌ لَنَا : لِأَنَّهُ نَفَى أَنْ يَكُونَ خَطِيبًا ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ لِيَصِحَّ اقْتِرَانُ الِاسْمِ بِهِ ، كَمَا نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ فَسَمَّاهُ نِكَاحًا لِيُلْحِقَ الْفَسَادَ بِهِ .
وَأَمَّا حَدِيثُ
عُثْمَانَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَفِيهِ جَوَابَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ أُرْتِجَ عَلَيْهِ بَعْدَ إِتْيَانِهِ بِالْوَاجِبِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي خُطْبَةِ الْبَيْعَةِ ، وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً .
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ : فَلَا يَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ بِهِمَا ، فَالْمَقْصُودُ مِنَ الْإِحْرَامِ : انْعِقَادُ الصَّلَاةِ . وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْخُطْبَةِ : الْمَوْعِظَةُ ، وَبِمُجَرَّدِ الذِّكْرِ لَا يَكُونُ وَاعِظًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .