الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رحمه الله تعالى : " وإن سلم رجل والإمام يخطب كرهته ورأيت أن يرد عليه بعضهم لأن الرد فرض وينبغي تشميت العاطس لأنها سنة ، وقال في القديم : لا يشمته ولا يرد السلام إلا إشارة . ( قال المزني ) ، رحمه الله : قلت أنا : الجديد أولى به لأن الرد فرض والصمت سنة والفرض أولى من السنة وهو يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم كلم قتلة ابن أبي الحقيق في الخطبة وكلم سليكا الغطفاني وهو يقول : يتكلم الرجل فيما يعنيه . ويقول : لو كانت الخطبة صلاة ما تكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم . ( قال المزني ) : وفي هذا دليل على ما وصفت ، وبالله التوفيق " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح . قد ذكرنا حكم الإنصات في حال الخطبة وأنه على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في القديم واجب .

                                                                                                                                            والثاني : وهو قوله في الجديد أنه استحباب وليس بواجب واختاره المزني ، وهو الصحيح ، وحكم الإمام والمأموم في وجوب الإنصات أو استحبابه سواء . نص عليه الشافعي .

                                                                                                                                            فإذا تقررت هذه الجملة فالكلام كله على ثلاثة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : ما يلزمه في غيره .

                                                                                                                                            والثاني : ما يعنيه في نفسه .

                                                                                                                                            والثالث : ما لا يلزمه في غيره ولا يعنيه في نفسه .

                                                                                                                                            فأما ما يلزمه في غيره : كإنذار ضرير قد كاد أن يتردى في بئر أو الإنذار من سبع أو حريق .

                                                                                                                                            وأما ما يعنيه في نفسه : كالرجل الذي قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال هلكت المواشي ، وانقطعت السبل ، فادع الله سبحانه لنا .

                                                                                                                                            فهذان الضربان غير محرمين في حال الخطبة لا يختلف .

                                                                                                                                            فأما ما لا يلزمه في غيره ولا يعنيه في نفسه : كالمحادثة والاستخبار فهذا الضرب من الكلام وما جرى مجراه هو المقصود بالنهي وهو قول الشافعي .

                                                                                                                                            فأما رد السلام وتشميت العاطس ففيه ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : أن الرد والتشميت غير محرم وهو قوله في الجديد .

                                                                                                                                            [ ص: 446 ] والثاني : أن الرد والتشميت حرام وهو قوله في القديم لكن يرد عليه إشارة بيده .

                                                                                                                                            فإن قيل : الكلام كان محرما ورد السلام واجب ، قيل : لأن الإنصات واجب على الأعيان ، والرد فرض على الكفاية ، وفروض الأعيان أوكد من فروض الكفاية .

                                                                                                                                            والثالث : أن رد السلام محرم وتشميت العاطس غير محرم ؛ لأن السلام وضعه في غير موضعه باختياره فلم يستحق الرد عليه ، والعاطس عطس بغير اختياره فلم يكن منسوبا إلى وضعه في غير موضعه فاستحق التشميت .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية