الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : واعلم أن للاستنجاء في الصحاري بعد تحريم استقبال القبلة واستدبارها آدابا مستحبة وردت السنة بها وعمل السلف عليها ، وهي ستة عشر أدبا تنقسم قسمين ، فقسم منها يختص بمكان الاستنجاء ، وهو ثمانية آداب ، وقسم منها يختص بالمستنجي في نفسه ، وهي ثمانية . فأما الثمانية التي تختص بمكان الاستنجاء .

                                                                                                                                            أحدها : الإبعاد عن أبصار الناس لما فيه من الصيانة وإكمال العشرة ، وقد روى أبو سلمة عن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب بعد ، وروى أبو الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد . [ ص: 156 ] والثاني : أن يستتر بسترة لأن لا يراه مار فقد روى أبو سعيد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستدبره فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم فمن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج " ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تحدثوا في القزع فإنه مأوى الخافين " ، القزع هو الوضع الذي لا نبات فيه يستره مأخوذ من قزع الرأس الذي لا شعر فيه ، ومأوى الخافين هو مأوى الجن سموا الخافين لاستخفائهم .

                                                                                                                                            والثالث : أن يتوقى مهاب الرياح لأن لا يرد الريح عليه النجاسة ، وقد روى الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا خرج الرجل للغائط فلا يستقبل الريح " .

                                                                                                                                            والرابع : أن يرتاد لبوله أرضا لينة حتى لا يرتفع لبوله رشيش يؤذيه فقد روى أبو موسى الأشعري قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأراد أن يبول فأتى دمثا في أصل جدار فبال ثم قال : " إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله " والخامس : أن يتوقى البول في ثقب أو سرب لئلا يخرج عليه من حشرات الأرض ما يؤذيه أو لئلا يؤذي حيوانا فيه ، وقد روى قتادة عن عبد الله بن سرجس قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الجحر فقيل لقتادة : ولم يكره ذلك فقال : إنه مساكن الجن .

                                                                                                                                            والسادس : أن يتوقى في الجواد ، وقوارع الطرق والمواضع التي يجلس فيها الناس أو ينزلها السيارة لئلا يتأذوا بها .

                                                                                                                                            فقد روى أبو سعيد الحميري عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اتقوا [ ص: 157 ] الملاعن الثلاثة ، البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل " . والموارد : هي الطرق إلى الماء ، ومنه قول جرير :

                                                                                                                                            أمير المؤمنين على صراط إذا اعوج الموارد مستقيم

                                                                                                                                            والسابع : أن يتوقى القبور أن يحدث عليها أو قريبا منها صيانة لها وحفاظا لحرمة أهلها فقد روى محمد بن كعب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط عليه فكأنما جلس على جمرة " .

                                                                                                                                            والثامن : ألا يتغوط تحت الشجرة المثمرة ولا يبول في الماء القليل ، لأنه يفسد بهذا مأكولا ، وبهذا طهورا ومشروبا فقد روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تغوط على نهر يتوضأ منه ويشرب فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " فهذه ثمانية آداب تختص بمكان المستنجي .

                                                                                                                                            وأما الثمانية التي تختص به في نفسه :

                                                                                                                                            أحدها : ألا يكشف ثوبه حتى يدنو من الأرض لأنه أستر له وأصون ، فقد روى الأعمش عن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ) .

                                                                                                                                            والثاني : أن يعتمد على رجله اليسرى فإنه أنجح له ، وقد روى سراقة بن مالك بن جعشم قال : لقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتوكأ على اليسرى وأن ننصب اليمنى . [ ص: 158 ] والثالث : أن يغض طرفه وبصره ، ولا يكلم أحدا ، فقد روى أبو عياض عن أبي سعيد الخدري قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المتغوطين أن يتحدثا فإن الله يمقت على ذلك .

                                                                                                                                            والرابع : ألا يمس ذكره بيمينه لأن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لما علاه ويسراه لما سفل ، وقد روى عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يمس ذكره بيمينه .

                                                                                                                                            والخامسة : أن يقول عند جلوسه ما رواه النضر بن أنس عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن هذه الحشوش محتضرة فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل أعوذ بالله من الخبث والخبائث .

                                                                                                                                            والسادس : إن كان في يده خاتم عليه اسم الله تعالى خلعه قبل دخوله أو جلوسه فقد روى الزهري عن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم " إذا دخل الخلاء وضع خاتمه " .

                                                                                                                                            والسابع : أن ينثر ذكره ثلاثا قبل مقامه بعد أن يتنحنح لتخرج بقايا بوله من ذكره فقد روى عيسى بن يزداد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا بال أحدكم فلينثر ذكره ثلاثا " .

                                                                                                                                            [ ص: 159 ] والثامن : أن يقول بعد قضاء حاجته ما رواه سلمة بن وهرام عن طاوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خرج أحدكم من الخلاء فليقل الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأمسك علي ما ينفعني " فهذه ثمانية آداب تختص بالمستنجي في نفسه وهي تمام ستة عشر ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية