الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو نذر أن يصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان أبدا ، فقدم يوم الاثنين فعليه أن يصوم كل اثنين يستقبله ، إلا أن يكون يوم فطر أو أضحى أو تشريق ، فلا يصومه ولا يقضيه ، وقال في كتاب الصوم : عليه القضاء ( قال المزني ) - رحمه الله - : لا قضاء أشبه بقوله لأنها ليست بوقت لصوم عنده لفرض ولا لغيره ، وإن نذر صومها نذر معصية ، وكذلك لا يقضي نذر معصية " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : إذا عقد نذره على صيام اليوم الذي يقدم فيه فلان أبدا ، فقدم يوم الاثنين كان نذره في الأثانين المستقبلة منعقدا ، لإمكان صيامها وفي انعقاده في الاثنين الذي قدم فيه فلان قولان ، على ما قدمناهما فيصير صوم الاثنين مستحقا بنذره ، فإن منعه عن صيامه في النذر عذر ، فالأعذار المانعة منه خمسة :

                                                                                                                                            أحدها : فرض رمضان ، لأن فيه من الاثنين ما قد استحق صيامه عن فرضه ، فخرج عن جملة نذره ، فيلزمه صيام اثنين رمضان عن رمضان ، ولا يجوز له أن يصومها عن نذره ولا يلزمه قضاؤها عن النذر ، لاستثنائها بالشرع مع إحاطة العلم بوجودها فيه ، فإن صامها عن نذره لم يكن نذرا ، ولا فرضا ، ولزمه قضاؤها عن الفرض دون النذر .

                                                                                                                                            والعذر الثاني : أن يصادف بعض الأثانين ما يحرم صيامه من العيدين ، وأيام التشريق فلا يجوز له صيامه ، عن النذر كما لم يجز أن يصومه عن غير النذر ، وفي وجوب قضائه عن نذره قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو الأظهر المنصوص عليه في النذور ، واختاره المزني ، أنه لا يلزمه قضاؤه لأمرين :

                                                                                                                                            [ ص: 499 ] أحدهما : لأن الشرع قد استثناه فصار كاثنين رمضان .

                                                                                                                                            والثاني : لأنه صادف أيام التحريم فصار نذر معصية .

                                                                                                                                            والقول الثاني : نص عليه في كتاب الصيام أن عليه قضاءه ؛ لأن نذره قد انعقد على طاعة ، وقد كان يجوز أن لا يصادف أيام التحريم ، فلزم قضاؤه لانعقاد النذر ، وفارق أثانين رمضان التي لا ينفك منها .

                                                                                                                                            والعذر الثالث : المرض المانع من صيامه بالعجز ، فعليه القضاء ، لأن ما وجب بالنذر معتبر بما وجب بالشرع ، فلما لم يسقط بالمرض قضاء ما وجب من رمضان ، لم يسقط به قضاء ما وجب بالنذر .

                                                                                                                                            والعذر الرابع : الجنون الطارئ عليه ، فيسقط به قضاء النذر كما يسقط به قضاء الفرض .

                                                                                                                                            والعذر الخامس : الإغماء فلا يسقط قضاء النذر به ، كما لا يسقط به قضاء الفرض .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية