الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الفصل الثالث : في ذكر الشهود مكان الزنا .

                                                                                                                                            فهو شرط في الشهادة على الزنا على ما ذكره أصحابنا وإن لم يكن شرطا في الإقرار بالزنا ، فيجب على الحاكم أن يسألهم عنه ، لأنهم قد يتفقون على زناه في مكان واحد فيجب عليه الحد ، وقد يختلفون في المكان فلا يجب عليه الحد ، فلذلك وجب سؤالهم عن مكان الزنا فإن اتفقوا عليه حد المشهود عليه ، وإن اختلفوا فاختلافهم على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون اختلافهم في بيتين فيقول بعضهم : زنى في هذا البيت ويقول آخرون : زنى في البيت الآخر ، فلا حد على المشهود عليه ، وفي حد الشهود قولان :

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يختلفوا في زاوية البيت فيقول بعضهم : زنى بها في هذه الزاوية من هذا البيت ، ويقول آخرون : زنى بها في الزاوية الأخرى من هذا البيت . فعند أبي حنيفة يجب عليهما الحد استحسانا لا قياسا ، لأنهما قد يتعاركان فينتقلان بالزحف من زاوية إلى أخرى .

                                                                                                                                            ولا حد عليه على مذهب الشافعي لعدم الاتفاق على المكان كالبيتين ، ولا وجه لهذا ، لأن الحدود تدرأ بالشبهات ولا يحد بها .

                                                                                                                                            وعلى قياس سؤالهم عن مكان الزنا ، يجب سؤالهم عن زمان الزنا ، لأن اختلاف الزمان كاختلاف المكان في وجوب الحد إن اتفق وسقوطه إن اختلف .

                                                                                                                                            وليس إطلاق هذا القول عندي صحيحا ، والواجب أن ينظر : فإن صرح بعض الشهود بذكر المكان والزمان ، وجب سؤال الباقين عنه ، وإن لم يصرح بعضهم به لم يسألوا عنه ؟ لأنه لو وجب سؤالهم عن المكان والزمان إذا لم يذكروه ، لوجب سؤالهم عن ثيابه وثيابها ، وعن لون المزني بها من سواد أو بياض ، وعن سنها من صغيرة أو كبيرة ، وعن قدها من طول أو قصر ، لأن اختلافهم فيه موجب لاختلاف الشهادة ، فيتناهى إلى ما لا يحصى ، وهذا غير معتبر في السؤال ، وكذلك في الزمان والمكان ، إلا

                                                                                                                                            [ ص: 241 ] أن يبتدئ بعض الشهود بذكره ، فيسأل الباقون عنه ليعلم ما هم عليه من موافقة واختلاف .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية