مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يغدو من طريق ويرجع من أخرى وأحب ذلك للإمام والمأموم " .
[ ص: 496 ] قال الماوردي : وهذا كما قال وقد روى نافع عن ابن عمر . أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخرج إلى العيد من طريق الشجرة ، ويدخل من طريق المعرس
قال أصحابنا : فيحتمل فعل النبي صلى الله عليه وسلم وجوها منها أنه كان يفعل ذلك ليساوي في محرفه وممره بين القبيلتين الأوس والخزرج ؛ لأنهم كانوا يتفاخرون بذلك في محالهم ، فيقولون مر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ، فكان إذا مضى إلى المصلى في أحد الحيين رجع في الحي الآخر ليساوي بينهما ، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يتصدق على مساكين الطريق ، فأحب أن يرجع من غيره ليتصدق على مساكينه ، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يقصده الفقراء بالسؤال ولا يحضره ما يغنيهم ، فكان يرجع في طريق آخر توقيا لمسألتهم ، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم كان سئل في طريقه عن معالم الدين وأحكام الشرع فأحب أن يعود في آخر ليعلم أهل الطريقين ، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك للسعة وقلة الزحام ، وقيل : بل فعل ذلك لينتشر المسلمون في الطريق ليزداد غيظا لليهود ، وقيل : بل فعل عليه السلام ذلك تجنبا لمكر المنافقين ، وإبطالا لكيدهم ، لأنهم ربما ترصدوا له بالمكر في الطريق الذي ذهب فيه ، وقيل : بل لتشهد البقاع ، فقد جاء في الخبر : من مشى في خير وبر شهدت له البقاع يوم القيامة ، وقيل في شهادة البقاع تأويلان :
أحدهما : أن الله عز وجل ، ينطقها فتشهد بذلك ، كما روي أنه قال صلى الله عليه وسلم في الحجر الأسود أنه يشهد له ملائكة الموضع .
والثاني : أنه يشهد له سكان الموضع من الجن والإنس كما قال تعالى : فما بكت عليهم السماء والأرض [ الدخان : 29 ] . يعني سكان السماء والأرض ، وقد قيل فيه ما يكثر تعداده ويطول ذكره ، فإذا ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكرنا من المعاني ، فقد قال أبو إسحاق المروزي : يحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله لمعنى يختص به ، ويحتمل أن يكون لمعنى يشاركه فيه غيره ، فإن علمنا أنه لمعنى يختص به لم يستحب ذلك لمن بعده من الأئمة والمأمومين ، وإن علمنا أنه لمعنى يشاركه فيه غيره استحببناه لمن بعده من الأئمة والمأمومين ، وإن شككنا هل فعله لمعنى يختص به أو يشاركه فيه غيره كان المستحب أن يفعل مثل فعله صلى الله عليه وسلم اقتداء به ، وقال أبو علي بن أبي هريرة : سواء فعله لمعنى يختص به أو يشاركه فيه غيره ، فالمستحب للناس أن يفعلوا ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد يفعل الشيء لمعنى يختص به ثم يصير ذلك سنة لمن بعده ، كالاضطباع والرمل ، إلا أن أبا إسحاق ، وأبا علي قد اتفقا أن ذلك يستحب في وقتنا .
[ ص: 497 ] وإنما اختلفا إذا علم أن ذلك لمعنى يختص به هل يكون مستحبا في وقتنا أم لا ؟ فعند أبي إسحاق لا يستحب ، وعند أبي علي يستحب لقول الله تعالى .