الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا كانت دار في يد أربعة تقارعوها ، فادعى أحدهم جميعها ، وادعى الثاني ثلثيها ، وادعى الثالث نصفها ، وادعى الرابع ثلثها ، فإن لم يكن لهم بينة ، جعلت الدار بينهم أرباعا باليد والتحالف ، وإن كانت لهم بينة بما ادعوه جعلت بينهم أرباعا بالبينة واليد من غير تحالف ، لأن كل واحد منهم قد أقام بينة داخل ، فيما بيده ، وبينة خارج ، فيما بيد غيره ، فحكم له ببينة الداخل دون الخارج ، فصار الحكم فيها مع وجود البينة وعدمها سواء في القدر وإنما يختلفان في التحالف ، ولو كانت بحالها في الدعوى ، والدار في يد خامس ، ليس لواحد منهم عليها يد ، وأقام كل واحد منهم البينة على ما ادعاه ، خلص لمدعي الكل الثلث الزائد على الثلثين ، لأنه قد أقام عليه بينة لم تعارضها بينة غيره ، وتعارضت البينات في الثلثين الباقيين ، فكان على الأقاويل الثلاثة في تعارض البينتين :

                                                                                                                                            أحدها : إسقاطهما بالتعارض ، والرجوع إلى صاحب اليد ، فإن ادعاها لنفسه حكم بها له بعد يمينه ، وفي قدر ما يحكم له فيها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : يحكم له أو بثلثيها ، إذ قيل : إن البينة إذا ردت في بعض الشهادة لم ترد في باقيها ، لأن البينة بالكل قد ردت في الثلثين فلم ترد في الثلث الباقي .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يحكم له بجميع الدار ، إذا قيل : إن البينة إذا ردت في بعض الشهادة ، ردت في جميعها ، لأن البينة بالكل لما ردت في الثلثين ردت في الكل ، وإن لم يدعها صاحب اليد وأقر بها لبعضهم ، أو لجميعهم حملوا فيه على إقراره وفي إحلافه لهم قولان .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن تعارض البينات يوجب القرعة دون الإسقاط ، قيل هذا لا يعارض في الثلث الخالص لصاحب الكل ، وترتيب القرعة في الثلثين ثلاث مراتب :

                                                                                                                                            فالرتبة الأولى : أن تقرع في السدس الذي بين النصف والثلثين بين مدعي الكل ، ومدعي الثلثين ، لأنه قد تعارضت فيه بينتاهما ، ولم يتعارض فيه بينة غيرهما ، فمن قرعت فيه بينته ، حكم له به .

                                                                                                                                            والرتبة الثانية : أن تقرع في السدس الذي بين الثلث ، والنصف بين ثلثه مدعي الكل ، ومدعي الثلثين ، ومدعي النصف ، لأن بينة صاحب الثلث لم تعارضهم فيه ، وتعارضت فيه بينة الثلاثة فمن قرع منهم حكم به له .

                                                                                                                                            والرتبة الثالثة : الإقراع في الثلث الباقي بين الأربعة ، لأن بينات جميعهم قد [ ص: 378 ] تعارضت ويحكم به لمن قرع منهم .

                                                                                                                                            والقول الثالث : أن تعارض البينات ، يوجب استعمالها بالقسمة دون القرعة ، فعلى هذا يقسم الثلثين بعد الثلث الخالص لصاحب الكل بين الأربعة الذين تعارضت فيهم البينة على ستة وثلاثين سهما ، هي مضروب ثلاثة في ستة في اثنين ، وترتبت القسمة فيه ثلاث مراتب ، كما ترتبت القرعة فيه ثلاث مراتب :

                                                                                                                                            فالرتبة الأولى : قسمة السدس الذي بين النصف والثلثين ، وهو ستة من ستة وثلاثين ، تقسم بين صاحب الكل ، وصاحب الثلثين ، لأنه قد تعارضت فيه بينتاهما ، ولم تتعارض فيه بينة غيرهما ، فيكون لكل واحد منهما نصفه ثلاثة أسهم ، وقد صار إلى صاحب الكل بالثلث اثنا عشر سهما ، فإذا انضم إليها هذه الثلاثة ، صار له في الحالتين خمسة عشر سهما ، ولصاحب الثلثين ثلاثة أسهم ، ثم يقسم السدس الذي بين الثلث والنصف أثلاثا بين صاحب الكل ، وصاحب الثلثين ، وصاحب النصف ، لأنه قد تعارضت فيه بيناتهم ، ولم تتعارض فيه بينة صاحب الثلث ، فيكون لكل واحد من الثلاثة سهمان من الستة ، فإذا ضمها صاحب الكل إلى ما حصل له في الحالتين ، وهو خمسة عشر سهما ، صار له سبعة عشر سهما ، وإذا ضمها صاحب الثلثين إلى ما حصل له في الحالة الواحدة ، وهو ثلاثة أسهم صار له خمسة أسهم ، ولم يحصل لصاحب النصف إلا هذين السهمين .

                                                                                                                                            والرتبة الثالثة : قسم الثلث الباقي ، وهو اثنا عشر سهما بين الأربعة كلهم ، لأنه قد اجتمع فيه تعارض بيناتهم كلهم ، فيكون لكل واحد منهم ثلاثة أسهم ، فإذا ضمها صاحب الكل إلى ما صار له ، وهو سبعة عشر سهما ، صار له عشرون سهما ، وإذا ضمها صاحب الثلثين إلى ما صار له ، وهو خمسة أسهم صار له ثمانية أسهم ، وإذا ضمها صاحب النصف إلى ما صار له ، وهو سهمان صار له خمسة أسهم ، وينفرد صاحب الثلث بثلاثة أسهم ليس له غيرها ، فإذا جمعت سهامهم ، وهي عشرون سهما لصاحب الكل ، وثمانية أسهم لصاحب الثلثين ، وخمسة أسهم لصاحب النصف ، وثلاثة أسهم لصاحب الثلث ، استوعبت ستة وثلاثين ، وقسمت عليها الدار بينهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية