الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الفصل الثاني في صفة القيافة ، فالمعتبر فيها التشابه من أربعة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : تخطيط الأعضاء وأشكال الصورة .

                                                                                                                                            والثاني : في الألوان والشعور .

                                                                                                                                            والثالث : في الحركات والأفعال .

                                                                                                                                            والرابع : في الكلام ، والصوت ، والحدة ، والأناة ، ولئن جاز أن تختلف هذه الأربعة في الآباء والأبناء في الظاهر الجلي ، فلا بد أن يكون بينهما ، في الباطن تشابه خفي ، ولئن لم يكن في جميعها لغلبة التشابه بالأمهات ، فلا بد أن يكون في بعضها لأن المولود من أبيض ، وأسود ، لا يكون أبيض محضا ، ولا أسود محضا ، فيكون فيه من البياض ، ما يقارب الأبيض ، ومن السواد ما يقارب بالسواد .

                                                                                                                                            وإذا كان كذلك لم يخل حال الولد مع المتنازعين فيه من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون فيه شبه من أحدهما ، وليس فيه شبه من الآخر ، فيلحق بمن فيه شبهه ، وينفى عمن ليس فيه شبهه ، وسواء كان الشبه بينهما من جميع الوجوه ، أو من بعضهما ظاهرا كان أو خفيا .

                                                                                                                                            [ ص: 388 ] والقسم الثاني : أن لا يكون فيه شبه من كل واحد ، منهما ، فلا يكون في القيافة بيان ، ولا يجوز أن ينفى عنها ، لأن نسبه موقوف عليهما ، فيعدل إلى الوقف على الانتساب ، على ما سنذكره .

                                                                                                                                            القسم الثالث : أن يكون فيه شبه من كل واحد منهما فهذا على خمسة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : أن يتماثل الشبهان ، ولا يترجح أحدهما على الآخر بشيء ، فلا يكون في القيافة بيان ، ويعدل إلى غيرها .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يتماثل الشبه بينهما في العدد ، ويختلفا في الظهور والخفاء ، يكون فيه من كل واحد منهما شبهان ، وهو في أحدهما ظاهر ، وفي الآخر خفي ، فيلحق بمن ظهر منه الشبه دون من خفي فيه .

                                                                                                                                            والضرب الثالث : أن يتماثلا في الظهور والخفاء ، ويختلفان في العدد ، فيكون الشبه في أحدهما من ثلاثة أوجه ، وفي الآخر من وجهين ، فيلحق بمن زاد عدد الشبه فيه دون من قل .

                                                                                                                                            والضرب الرابع : أن يكون الشبه في أحدهما أكثر عددا ، وأظهر شبها ، وهو في الآخر أقل وأخفى ، فيلحق بمن كثر فيه عدد الشبه ، وظهر دون من قل فيه وخفي ، وهو أقوى من الضربين المتقدمين .

                                                                                                                                            والضرب الخامس : أن يكون أحدهما في الشبه أكثر عددا ، وأخفى شبها ، والآخر أقل عددا ، وأظهر شبها ، فيكون الشبه في أحدهما من ثلاثة أوجه خفية ، وفي الآخر من وجهين ظاهرين ، ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يرجح كثرة العدد على ظهور الشبه ، فيلحق بمن فيه الشبه من ثلاثة أوجه خفية ، تغليبا لزيادة التشابه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يرجح ظهور الشبه على كثرة العدد ، فيلحق بمن فيه الشبه من وجهين ظاهرين ، تغليبا لقوة التشابه ، فهذا أصل في اعتبار التشابه في القيافة ، وقد تختلف فطن القافة ، فمنهم من تكون فطنته من أعداد التشابه أقوى ، ومنهم من تكون فطنته في قوة التشابه أقوى ، فيعتمد كل واحد منهما على ما في قوة فطنته ، تغليبا لقوة حسه ، فإن كان القائف عارفا بأحكام هذه الأقسام ، جاز أن يكون فيها مخبرا ، وحاكما وإن لم يكن عارفا بأحكامها كان فيها مخبرا ، ولم يكن فيها حاكما ، ليحكم بها من الحكام من يعلمها ، ويجتهد رأيه فيها .

                                                                                                                                            [ ص: 389 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية