مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن بدئ بالصلاة على الجنازة ، فإن لم يكن حضر الإمام أمر من يقوم بها وبدئ بالخسوف ثم يصلى العيد ثم أخر الاستسقاء إلى يوم آخر وإن اجتمع عيد وخسوف واستسقاء وجنازة صلاها وخفف ثم خرج منها إلى صلاة الخسوف ثم يخطب للعيد وللخسوف ولا يضره أن يخطب بعد الزوال لهما [ ص: 509 ] وإن خاف فوت العيد بدأ بصلاة الخسوف وخفف فقرأ في كل ركعة بأم القرآن ، وقل هو الله أحد ، وما أشبهها ، ثم يخطب للجمعة ويذكر فيها الخسوف ثم يصلي الجمعة . كان في وقت الجمعة
قال الماوردي : وصورة هذه المسألة : أن يجتمع عيد وخسوف واستسقاء وجنازة ، فالأولى تأخير الاستسقاء : لإمكان فعله في كل زمان ، ثم يبدأ بالصلاة على الجنازة إن حضرت ، لتأكيدها ، ولما أمر به من المبادرة بها ، مع ما يخاف من تغيير الميت والتأذي به ، ثم يصلي الخسوف ، ثم العيد بعده ، لأن بقاء وقت للعيد متيقن إلى زوال الشمس ، وبقاء الخسوف غير متيقن ، وربما أسرع تجليه ، فإن ضاق وقت العيد وعلم أنه إن اشتغل بصلاة الخسوف لم يدرك صلاة العيد بدأ بصلاة العيد أولا ، ثم صلى الخسوف بعدها : لأن فوات العيد متيقن وبقاء الخسوف مجوز ، فكانت البداية بما يتيقن فواته أولى ، فإذا صلى العيد لم يخطب ، وصلى للخسوف ، ثم خطب لهما بعد الزوال ؛ لأن خطبة العيد سنة ، فجاز فعلها في غير وقتها ، وليس كذلك خطبة الجمعة ؛ لأنها واجبة ، فلم يجز فعلها في غير وقتها .
فإن قيل : تصور الشافعي اجتماع الخسوف والعيد محال ، لأن العيد إما أن يكون في أول الشهر إن كان فطرا ، أو في العاشر إن كان نحرا ، والخسوف إما أن يكون في الثامن والعشرين إن كان للشمس ، وفي الرابع عشر إن كان للقمر ، فاستحال اجتماع الخسوف والعيد .
قيل عن هذا أجوبة .
أحدهما : أن الشافعي لم يكن غرضه في هذا تصحيح وقوعه ، وإنما كان غرضه الكشف عن معاني الأحكام بإيقاع التفريع في المسائل ليتضح المعنى ، ويتسع الفهم ، وبذلك جرت عادة العلماء في تفريع المسائل ، حتى قالوا في الفرائض مائة جدة وخمسون أختا ، وإن كان وجود ذلك مستحيلا .
جواب ثان وهو أن الشافعي تكلم على ما يقتضيه قول أهل النجوم الذي لا يسوغ قبول قولهم ، وقد نقل الواقدي وأهل السير أن الشمس خسفت في اليوم الذي مات فيه إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان اليوم العاشر من الشهر ، وروى ذلك علقمة عن ابن مسعود ، وقيل كان اليوم العاشر من رمضان ، وقيل العاشر من شهر ربيع الأول ، وقيل الشمس خسفت يوم مات الحسن بن علي ، عليه السلام ، وكان يوم عاشوراء .
جواب ثالث : أنه وإن كانت العادة فيما ذكروا فقد ينتقض عند قيام الساعة ووجود أشراطها ، فبين الحكم فيها قبل وجودها ، فلو بدأ بالعيد أولا ، لتعجيل فواته ، ثم الجمعة ؛ لأنها من فروض الأعيان ، ثم الخسوف ، [ ص: 510 ] فلو تعجل وقت الخسوف بدأ بالصلاة له ولم يخطب ، ثم صلى العيد ، ثم خطب للجمعة وذكر فيها الخسوف والعيد ، ثم صلى العيد ، ثم خطب للجمعة وذكر فيها الخسوف والعيد ، ثم صلى الجمعة . اجتمع عيد وخسوف وجمعة وضاق وقت الجميع