مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن أسلم المدبر قلنا للحربي إن رجعت في تدبيرك بعناه عليك وإن لم ترجع خارجناه لك ومنعناك خدمته فإن خرجت دفعناه إلى من وكلته فإذا مت فهو حر وفيه قول آخر أنه يباع ( قال المزني ) يباع أشبه بأصله لأن [ ص: 135 ] التدبير وصية فهو في معنى عبد أوصى به لرجل لا يجب له إلا بموت السيد وهو عبد بحاله ولا يجوز تركه إذا أسلم في ملك مشرك يذله وقد صار بالإسلام عدوا له " .
قال الماوردي : أما ويقال له : إن بعته ، أو أعتقته وإلا بعناه عليك ، لقول الله تعالى : عبد الحربي إذا أسلم ، أو عبد الذمي ، فإنه لا يقر على ملكه ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ( النساء : 141 ) .
وأما منع منها ولم يجز بيعها عليه ؛ لأن بيع أم الولد ممنوع منه في حق المسلم ، فكان ممنوعا منه في حق الكافر ، ولم يكن له استخدامها ، لئلا يستذلها ومكنت من الاكتساب والإنفاق منه على نفسها ، فإن فضل من كسبها بعد النفقة فضل كان لسيدها ، وإن قصر الكسب عن نفقتها كان السيد مأخوذا بتمامها ولو لم تكن ذات كسب أخذ بجميع نفقتها ، فإن أرادت أن تتزوج لم يكن لها ذاك إلا بإذنه وإن كانت محرمة عليه ؛ لأنها قد تجوز أن تسلم فتعود إلى فراشه فإذا مات السيد عتقت عليه بموته . أم ولد الحربي والذمي إذا أسلمت
وأما فإن رجع في تدبيره صار عبدا قنا وبيع عليه إن لم يبعه ، ولم يعتقه ، وإن أقام على تدبيره ففيه قولان : مدبر الذمي والحربي إذا أسلم يقال لسيده : أترجع في تدبيره ، أو تقيم عليه ؟
أحدهما : وهو قول مالك ، واختيار المزني أنه يباع عليه لجريان أحكام الرق عليه ، ولا يجوز أن يستديم الكافر رق مسلم .
والقول الثاني : لا يباع عليه ، ويمنع استخدامه ؛ لأن استبقاءه على التدبير المفضي إلى عتقه أحظ له من نقله بالبيع من رق إلى رق .
فعلى هذا يقال لسيده : إن عجلت عتقه فلك ولاؤه ، وإن لم تعجله ، ولم ترجع في تدبيره خل بينه وبين نفسه في الاكتساب والنفقة ، ولك بقية كسبه إن فضل ، وعليك تمامه إن نقص . فإن خرجت إلى دار الحرب قام فيه وكيلك مقامك ، فإذا مت عتق من ثلثك ، فإن خرج من الثلث عتق جميعه ، وإن عجز عنه الثلث عتق منه قدر ما احتمله الثلث ورق باقيه ، وبيع على ورثته ، لئلا يستديموا رق مسلم . وهكذا حكم المعتق بالصفة إذا أسلم ، وسيده كافر كان على قولين كالمدبر يباع في أحدهما ، لئلا يستديم كافر استرقاق مسلم ويقر في القول الثاني ، على ملكه ، لوجود الحظ له في حدوث الصفة المفضية إلى عتقه ، فأما إذا أسلم عبد الكافر وقد أوصى به لمسلم ، فإنه يباع عليه قولا واحدا ، وإن بطل بيعه الوصية لمسلم لأنه ليس تفضي الوصية له إلى عتق ، بل يكون بها منتقلا من رق إلى رق وهو في الحال مستبقى على استرقاق كافر ، فلذلك بيع [ ص: 136 ] عليه ، فإن أوصى الكافر بعتقه بعد موته ، احتمل أن يكون على قولين كالمدبر لإفضائها إلى عتقه ، واحتمل أن يباع قولا واحدا لأن الوصية بعتقه أضعف من تدبيره ، والله أعلم بالصواب .