الباب الثاني في قذف الزوجة خاصة
الزوج كالأجنبي في صريح القذف وكنايته ، وفي أنه يلزمه بقذفها الحد إن كانت محصنة ، والتعزير إن كانت غير محصنة ، إلا أن الزوج يختص بأنه قد يباح له القذف ، وقد يجب عليه ، وبأن الأجنبي لا يتخلص من العقوبة إلا ببينة على زنا المقذوف ، أو بإقرار المقذوف . وللزوج طريق ثالث إلى الخلاص ، وهو [ ص: 328 ] اللعان . وكما تندفع عنه عقوبة القذف باللعان ، يجب عليها به حد الزنا ، ولها دفعه بلعانها . فصل
متى ، جاز له قذفها ، وكذا إن ظن زناها ظنا مؤكدا ، بأن أقرت به ووقع في قلبه صدقها ، أو سمعه ممن يثق به . قال تيقن الزوج أنها زنت ، بأن رآها تزني والإمام : سواء كان القائل من أهل الشهادة ، أم لا ، ابن كج ، لكن انضمت إلى الاستفاضة قرينة الفاحشة ، بأن رآه معها في خلوة ، أو رآه يخرج من عندها ، فيجوز له القذف ، وإنما يجوز في صورة الاستفاضة . إذا انضمت إليها القرينة . وعن واستفاض بين الناس أن فلانا يزني بها ولم يخبره أحد عن عيان الداركي : أنه يجوز بمجرد الاستفاضة . وعن : يجوز بمجرد القرينة ، والصحيح الأول ، لكن قال الإمام : الذي أراه أنه لو رآها معه مرات كثيرة في محل الريبة ، كان ذلك كالاستفاضة مع الرؤية مرة ، وكذا لو رآها معه تحت شعار على هيئة منكرة ، وتابعه على هذا ابن أبي هريرة وغيره . ثم ما لم يكن هناك ولد ، لا يجب على الزوج القذف ، بل يجوز أن يستر عليها ويفارقها بغير اللعان إن شاء ، ولو أمسكها لم يحرم . الغزالي
قلت : قال أصحابنا : إذا لم يكن ولد ، فالأولى أن لا يلاعن ، بل يطلقها إن كرهها . والله أعلم .
، وجب عليه نفيه باللعان ، هكذا قطع به الأصحاب ، وفيه وجه حكاه وإن كان هناك ولد يتيقن أنه ليس منه الروياني عن جماعة أنه لا يجب النفي ، والصحيح الأول . قال البغوي وغيره : فإن تيقن مع ذلك أنها زنت ، قذفها ولاعن ، وإلا فلا يقذفها ، لجواز أن يكون الولد من زوج قبله ، أو من وطء شبهة . قال الأئمة : وإنما يحصل اليقين إذا لم يطأها أصلا ، أو وطئها وأتت بولد لأكثر من [ ص: 329 ] أربع سنين من وقت الوطء ، أو لأقل من ستة أشهر . ولو وطئها وأتت بولد لأكثر من ستة أشهر ، ولدون أربع سنين ، فإن لم يستبرئها بحيضة ، أو استبرأها فأتت بولد لدون ستة أشهر من وقت الاستبراء ، لم يحل له النفي ، ولا اعتبار بريبة يجدها في نفسه ، أو شبهة تخيل له فسادا ، وإن استبرأها وأتت به لأكثر من ستة أشهر من الاستبراء ، فثلاثة أوجه . أحدها : يجوز النفي ، لأن الاستبراء أمارة ظاهرة على أنه ليس منه ، والمستحب أن لا ينفيه ، لأن الحامل قد ترى الدم . والثاني : إن رأى بعد الاستبراء القرينة المبيحة للقذف ، جاز النفي ، بل لزمه ، وإن لم ير شيئا ، لم يجز . والثالث : يجوز النفي ، سواء وجدت قرينة وأمارة ، أم لا ، ولا يجب بحال للاحتمال . وأصح هذه الأوجه الثاني ، صححه ، وبه قطع العراقيون ، وبالأول قطع الغزالي البغوي .
قلت : جعل الرافعي الأوجه فيما إذا أتت بالولد لأكثر من ستة أشهر من وقت الاستبراء ، وكذا فعل القاضي حسين ، والإمام ، والبغوي ، والمتولي . والصحيح ما قاله المحاملي وصاحبا " المهذب " و " العدة " وآخرون أن الاعتبار في ستة الأشهر من حين زنى الزاني بها ، لأن مستند اللعان زناه ، فإذا ولدت لدون ستة أشهر من زنا ، ولأكثر من سنة من الاستبراء ، تيقنا أنه ليس من ذلك الزنا ، فيصير وجوده كعدمه ، ولا يجوز النفي ، وهذا أوضح . والله أعلم .
ولو ، فالصحيح الذي قطع به صاحبا " المهذب " و " التهذيب " وغيرهما أنه لا يجوز النفي بذلك ، فقد سبق الماء ، وجعله كان الزوج يطأ ويعزل مجوزا للنفي . ولو الغزالي ، فله النفي على الأصح . جامع في الدبر أو فيما دون الفرج
فرع
، نظر ، إن خالفه في نقص وكمال خلقة ، أو حسن وقبح ونحوها ، حرم النفي ، وإن ولدت أسود وهما أبيضان أو عكسه ، فإن لم ينضم [ ص: 330 ] إليه قرينة الزنا ، حرم النفي ، وإن انضمت أو كان يتهمها برجل ، فأتت بولد على لون ذلك الرجل ، جاز النفي على الأصح عند لو أتت بولد لا يشبهه البندنيجي وغيرهما . وصحح الشيخ والروياني أبو حامد والقاضي أبو الطيب المنع .
قلت : المنع أصح ، وممن صححه غير المذكورين ، صاحبا " الحاوي " و " العدة " . والله أعلم .
قال الإمام : ولا يؤثر الاختلاف في الألوان المتقاربة ، كالأدمة والسمرة والشقرة ، والقرينة من البياض .
فرع
في الظاهر ، ولا يكلف بيان السبب الذي بنى النفي عليه ، لكن يجب عليه فيما بينه وبين الله تعالى رعاية الأسباب المذكورة ، وبناء النفي على ما يجوز البناء عليه ، كما سبق . متى نفى الولد ولاعن ، حكم بنفوذه
فصل
، فإذا نكح وطلقها في المجلس ، أو غاب عنها غيبة بعيدة لا يحتمل وصول أحدهما إلى الآخر ، وأتت بولد لأكثر من أربع سنين من وقت الغيبة ، أو جرى العقد والزوجان متباعدان ، أحدهما بالمشرق ، والآخر بالمغرب ، وأتت بولد لستة أشهر من حين العقد ، ففي كل هذه الصور ينتفي الولد بغير لعان . لا يلحق الولد بالزوج إذا لم يتحقق إمكان الوطء
فرع
إذا ، فليس له نفيه . وهل له القذف واللعان ؟ حكى الإمام عن العراقيين والقاضي ، أنه ليس له ذلك قال : والقياس جوازه لجواز القذف إذا تيقن الزنا ولا ولد ، انتقاما منها ، فحصل وجهان ، الصحيح : المنع ، لأن اللعان حجة ضرورية ، إنما يصار إليها لدفع النسب ، أو قطع النكاح حيث لا ولد ، خوفا من أن يحدث ولد على الفراش الملطخ ، وقد حصل الولد هنا ، فلم يبق فائدة ، ولأن في إثبات زناها تعيير الولد ، وإطلاق الألسنة فيه ، ولا يحتمل ذلك لغرض الانتقام مع إمكان الفراق بالطلاق . أتت بولد يمكن أن يكون منه ، لكنه رآها تزني واحتمل كونه من [ ص: 331 ] الزنا
قلت : هذا النقل عن العراقيين مطلقا غير مقبول على الإطلاق ، فقد قال صاحب " المهذب " : إن غلب على ظنه أنه ليس منه ، بأن علم أنه كان يعزل عنها ، أو رأى فيه شبه الزاني ، لزمه نفيه باللعان ، يعني بعد قذفها ، وإن لم يغلب على ظنه ، لم ينفه . وقال صاحب " الحاوي " : إذا وطئها ولم يستبرئها ورآها تزني ، فهو بالخيار بين اللعان بعد القذف ، أو بالإمساك . فأما نفي الولد ، فإن غلب على ظنه أنه ليس منه ، نفاه ، وإن غلب على ظنه أنه منه ، لم يجز نفيه ، وإن لم يظن أحد الأمرين ، جاز أن يغلب حكم الشبه ، وهذا هو القياس الجاري على قاعدة الباب . والله أعلم .