تمهيد المقدمات المحتاج إليها قبل النظر في مسائل الكتاب وهي بضع عشر مقدمة .
[ ص: 16 ] [ ص: 17 ] المقدمة الأولى
إن
nindex.php?page=treesubj&link=20472أصول الفقه في الدين قطعية لا ظنية ، والدليل على ذلك أنها
[ ص: 18 ] راجعة إلى كليات الشريعة ؛ وما كان كذلك فهو قطعي .
بيان الأول ظاهر بالاستقراء المفيد للقطع .
وبيان الثاني : من أوجه : أحدها : أنها ترجع إما إلى أصول عقلية ، وهي قطعية ، وإما إلى
[ ص: 19 ] الاستقراء الكلي من أدلة الشريعة ، وذلك قطعي أيضا ، ولا ثالث لهذين إلا المجموع منهما ، والمؤلف من القطعيات قطعي ، وذلك أصول الفقه .
والثاني : أنها لو كانت ظنية ; لم تكن راجعة إلى أمر عقلي ; إذ الظن لا يقبل في العقليات ، ولا إلى كلي شرعي لأن الظن إنما يتعلق بالجزئيات ; إذ لو جاز تعلق الظن بكليات الشريعة ; لجاز تعلقه بأصل الشريعة لأنه الكلي الأول ، وذلك غير جائز عادة - وأعني بالكليات هنا : الضروريات ،
[ ص: 20 ] والحاجيات ، والتحسينيات - وأيضا لو جاز تعلق الظن بأصل الشريعة ; لجاز تعلق الشك بها ، وهي لا شك فيها ، ولجاز تغييرها وتبديلها ، وذلك خلاف ما ضمن الله عز وجل من حفظها .
والثالث : أنه لو جاز جعل الظني أصلا في أصول الفقه ; لجاز جعله أصلا في أصول الدين وليس كذلك باتفاق ، فكذلك هنا ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=20477نسبة أصول الفقه من أصل الشريعة كنسبة أصول الدين ، وإن تفاوتت في المرتبة ; فقد استوت في أنها كليات معتبرة في كل ملة ، وهي داخلة في حفظ الدين من الضروريات .
وقد قال بعضهم لا سبيل إلى إثبات أصول الشريعة بالظن ، لأنه تشريع ، ولم نتعبد بالظن إلا في الفروع ، ولذلك لم يعد القاضي
ابن الطيب [ ص: 21 ] من الأصول تفاصيل العلل ، كالقول في عكس العلة ، ومعارضتها ، والترجيح بينها وبين غيرها ، وتفاصيل أحكام الأخبار ، كأعداد الرواة ، والإرسال ; فإنه ليس بقطعي .
واعتذر
ابن الجويني عن إدخاله في الأصول بأن التفاصيل المبنية على الأصول المقطوع بها داخلة بالمعنى فيما دل عليه الدليل القطعي .
قال
المازري : وعندي أنه لا وجه للتحاشي عن عد هذا الفن من الأصول وإن كان ظنيا ، على طريقة القاضي في أن الأصول هي أصول العلم ; لأن تلك الظنيات قوانين كليات وضعت لا لأنفسها ، لكن ليعرض عليها أمر غير معين مما لا ينحصر . قال : فهي في هذا كالعموم والخصوص قال : ويحسن
[ ص: 22 ] من
أبي المعالي أن لا يعدها من الأصول ; لأن الأصول عنده [ هي الأدلة ، والأدلة عنده ] ما يفضي إلى القطع ، وأما القاضي ; فلا يحسن به إخراجها من الأصول على أصله الذي حكيناه عنه . هذا ما قال .
والجواب : أن الأصل على كل تقدير لا بد أن يكون مقطوعا به ; لأنه إن كان مظنونا تطرق إليه احتمال الإخلاف ، ومثل هذا لا يجعل أصلا في الدين عملا بالاستقراء ، والقوانين الكلية لا فرق بينها وبين الأصول الكلية التي نص عليها ، ولأن الحفظ المضمون في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون إنما المراد به حفظ أصوله الكلية المنصوصة ، وهو المراد بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت لكم دينكم [ المائدة : 3 ] أيضا ، لا أن المراد المسائل الجزئية ; إذ لو كان كذلك لم يتخلف عن الحفظ جزئي من
[ ص: 23 ] جزئيات الشريعة ، وليس كذلك ; لأنا نقطع بالجواز ، ويؤيده الوقوع ; لتفاوت الظنون ، وتطرق الاحتمالات في النصوص الجزئية ، ووقوع الخطأ فيها قطعا ، فقد وجد الخطأ في أخبار الآحاد وفي معاني الآيات ; فدل على أن المراد بالذكر المحفوظ ما كان منه كليا ، وإذ ذاك يلزم أن يكون كل أصل قطعيا .
هذا على مذهب
أبي المعالي ، وأما على مذهب
القاضي ; فإن إعمال الأدلة القطعية أو الظنية إذا كان متوقفا على تلك القوانين التي هي أصول الفقه ; فلا يمكن الاستدلال بها إلا بعد عرضها عليها ، واختبارها بها ، ولزم أن تكون مثلها ، بل أقوى منها ، لأنك أقمتها مقام الحاكم على الأدلة ، بحيث تطرح الأدلة إذا لم تجر على مقتضى تلك القوانين ; فكيف يصح أن تجعل الظنيات قوانين لغيرها ؟
ولا حجة في كونها غير مرادة لأنفسها حتى يستهان بطلب القطع فيها ; فإنها حاكمة على غيرها ; فلا بد من الثقة بها في رتبتها ، وحينئذ يصلح أن تجعل قوانين ، وأيضا ، لو صح كونها ظنية ; لزم منه جميع ما تقدم في أول المسألة ، وذلك غير صحيح ، ولو سلم ذلك كله ; فالاصطلاح اطرد على أن المظنونات لا تجعل أصولا ، وهذا كاف في اطراح الظنيات من الأصول بإطلاق ، فما
[ ص: 24 ] جرى فيها مما ليس بقطعي فمبني على القطعي تفريعا عليه بالتبع ، لا بالقصد الأول .
تَمْهِيدُ الْمُقَدِّمَاتِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهَا قَبْلَ النَّظَرِ فِي مَسَائِلِ الْكِتَابِ وَهِيَ بِضْعَ عَشَرَ مُقَدِّمَةً .
[ ص: 16 ] [ ص: 17 ] الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى
إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20472أُصُولَ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ قَطْعِيَّةٌ لَا ظَنِّيَّةٌ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا
[ ص: 18 ] رَاجِعَةٌ إِلَى كُلِّيَّاتِ الشَّرِيعَةِ ؛ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ قَطْعِيٌّ .
بَيَانُ الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ الْمُفِيدِ لِلْقَطْعِ .
وَبَيَانُ الثَّانِي : مِنْ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهَا تَرْجِعُ إِمَّا إِلَى أُصُولٍ عَقْلِيَّةٍ ، وَهِيَ قَطْعِيَّةٌ ، وَإِمَّا إِلَى
[ ص: 19 ] الِاسْتِقْرَاءِ الْكُلِّيِّ مِنْ أَدِلَّةِ الشَّرِيعَةِ ، وَذَلِكَ قَطْعِيٌّ أَيْضًا ، وَلَا ثَالِثَ لِهَذَيْنِ إِلَّا الْمَجْمُوعُ مِنْهُمَا ، وَالْمُؤَلَّفُ مِنَ الْقَطْعِيَّاتِ قَطْعِيٌّ ، وَذَلِكَ أُصُولُ الْفِقْهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ ظَنِّيَّةً ; لَمْ تَكُنْ رَاجِعَةً إِلَى أَمْرٍ عَقْلِيٍّ ; إِذِ الظَّنُّ لَا يُقْبَلُ فِي الْعَقْلِيَّاتِ ، وَلَا إِلَى كُلِّيٍّ شَرْعِيٍّ لِأَنَّ الظَّنَّ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجُزْئِيَّاتِ ; إِذْ لَوْ جَازَ تَعَلُّقُ الظَّنِّ بِكُلِّيَّاتِ الشَّرِيعَةِ ; لَجَازَ تَعَلُّقُهُ بِأَصْلِ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّهُ الْكُلِّيُّ الْأَوَّلُ ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَادَةً - وَأَعْنِي بِالْكُلِّيَّاتِ هُنَا : الضَّرُورِيَّاتِ ،
[ ص: 20 ] وَالْحَاجِيَّاتِ ، وَالتَّحْسِينِيَّاتِ - وَأَيْضًا لَوْ جَازَ تَعَلُّقُ الظَّنِّ بِأَصْلِ الشَّرِيعَةِ ; لَجَازَ تَعَلُّقُ الشَّكِّ بِهَا ، وَهِيَ لَا شَكَّ فِيهَا ، وَلَجَازَ تَغْيِيرُهَا وَتَبْدِيلُهَا ، وَذَلِكَ خِلَافَ مَا ضَمِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حِفْظِهَا .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ لَوْ جَازَ جَعْلُ الظَّنِّيِّ أَصْلًا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ; لَجَازَ جَعْلُهُ أَصْلًا فِي أُصُولِ الدِّينِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ ، فَكَذَلِكَ هُنَا ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20477نِسْبَةَ أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ أَصْلِ الشَّرِيعَةِ كَنِسْبَةِ أُصُولِ الدِّينِ ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ فِي الْمَرْتَبَةِ ; فَقَدِ اسْتَوَتْ فِي أَنَّهَا كُلِّيَّاتٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي كُلِّ مِلَّةٍ ، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي حِفْظِ الدِّينِ مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا سَبِيلَ إِلَى إِثْبَاتِ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ بِالظَّنِّ ، لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ ، وَلَمْ نُتَعَبَّدْ بِالظَّنِّ إِلَّا فِي الْفُرُوعِ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَعُدَّ الْقَاضِي
ابْنُ الطَّيِّبِ [ ص: 21 ] مِنَ الْأُصُولِ تَفَاصِيلَ الْعِلَلِ ، كَالْقَوْلِ فِي عَكْسِ الْعِلَّةِ ، وَمُعَارَضَتِهَا ، وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا ، وَتَفَاصِيلَ أَحْكَامِ الْأَخْبَارِ ، كَأَعْدَادِ الرُّوَاةِ ، وَالْإِرْسَالِ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ .
وَاعْتَذَرَ
ابْنُ الْجُوَيْنِيِّ عَنْ إِدْخَالِهِ فِي الْأُصُولِ بِأَنَّ التَّفَاصِيلَ الْمَبْنِيَّةَ عَلَى الْأُصُولِ الْمَقْطُوعِ بِهَا دَاخِلَةٌ بِالْمَعْنَى فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ الْقَطْعِيُّ .
قَالَ
الْمَازِرِيُّ : وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلتَّحَاشِي عَنْ عَدِّ هَذَا الْفَنِّ مِنَ الْأُصُولِ وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا ، عَلَى طَرِيقَةِ الْقَاضِي فِي أَنَّ الْأُصُولَ هِيَ أُصُولُ الْعِلْمِ ; لِأَنَّ تِلْكَ الظَّنِّيَّاتِ قَوَانِينُ كُلِّيَّاتٍ وُضِعَتْ لَا لِأَنْفُسِهَا ، لَكِنْ لِيُعْرَضَ عَلَيْهَا أَمْرٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِمَّا لَا يَنْحَصِرُ . قَالَ : فَهِيَ فِي هَذَا كَالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ قَالَ : وَيَحْسُنُ
[ ص: 22 ] مِنْ
أَبِي الْمَعَالِي أَنْ لَا يَعُدَّهَا مِنَ الْأُصُولِ ; لِأَنَّ الْأُصُولَ عِنْدَهُ [ هِيَ الْأَدِلَّةُ ، وَالْأَدِلَّةُ عِنْدَهُ ] مَا يُفْضِي إِلَى الْقَطْعِ ، وَأَمَّا الْقَاضِي ; فَلَا يَحْسُنُ بِهِ إِخْرَاجُهَا مِنَ الْأُصُولِ عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْهُ . هَذَا مَا قَالَ .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ الْأَصْلَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَقْطُوعًا بِهِ ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مَظْنُونًا تَطَرَّقَ إِلَيْهِ احْتِمَالُ الْإِخْلَافِ ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُجْعَلُ أَصْلًا فِي الدِّينِ عَمَلًا بِالِاسْتِقْرَاءِ ، وَالْقَوَانِينُ الْكُلِّيَّةُ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُصُولِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي نُصَّ عَلَيْهَا ، وَلِأَنَّ الْحِفْظَ الْمَضْمُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ إِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ حِفْظُ أُصُولِهِ الْكُلِّيَّةِ الْمَنْصُوصَةِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [ الْمَائِدَةِ : 3 ] أَيْضًا ، لَا أَنَّ الْمُرَادَ الْمَسَائِلُ الْجُزْئِيَّةُ ; إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنِ الْحِفْظِ جُزْئِيٌّ مِنْ
[ ص: 23 ] جُزْئِيَّاتِ الشَّرِيعَةِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّا نَقْطَعُ بِالْجَوَازِ ، وَيُؤَيِّدُهُ الْوُقُوعُ ; لِتَفَاوُتِ الظُّنُونِ ، وَتَطَرُّقِ الِاحْتِمَالَاتِ فِي النُّصُوصِ الْجُزْئِيَّةِ ، وَوُقُوعِ الْخَطَأِ فِيهَا قَطْعًا ، فَقَدْ وُجِدَ الْخَطَأُ فِي أَخْبَارِ الْآحَادِ وَفِي مَعَانِي الْآيَاتِ ; فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ الْمَحْفُوظِ مَا كَانَ مِنْهُ كُلِّيًّا ، وَإِذْ ذَاكَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ أَصْلٍ قَطْعِيًّا .
هَذَا عَلَى مَذْهَبِ
أَبِي الْمَعَالِي ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ
الْقَاضِي ; فَإِنَّ إِعْمَالَ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ أَوِ الظَّنِّيَّةِ إِذَا كَانَ مُتَوَقِّفًا عَلَى تِلْكَ الْقَوَانِينِ الَّتِي هِيَ أُصُولُ الْفِقْهِ ; فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا إِلَّا بَعْدَ عَرْضِهَا عَلَيْهَا ، وَاخْتِبَارِهَا بِهَا ، وَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ مِثْلَهَا ، بَلْ أَقْوَى مِنْهَا ، لِأَنَّكَ أَقَمْتَهَا مَقَامَ الْحَاكِمِ عَلَى الْأَدِلَّةِ ، بِحَيْثُ تُطْرَحُ الْأَدِلَّةُ إِذَا لَمْ تَجْرِ عَلَى مُقْتَضَى تِلْكَ الْقَوَانِينِ ; فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ تَجْعَلَ الظَّنِّيَّاتِ قَوَانِينَ لِغَيْرِهَا ؟
وَلَا حُجَّةَ فِي كَوْنِهَا غَيْرَ مُرَادَةٍ لِأَنْفُسِهَا حَتَّى يُسْتَهَانَ بِطَلَبِ الْقَطْعِ فِيهَا ; فَإِنَّهَا حَاكِمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا ; فَلَا بُدَّ مِنَ الثِّقَةِ بِهَا فِي رُتْبَتِهَا ، وَحِينَئِذٍ يَصْلُحُ أَنْ تُجْعَلَ قَوَانِينَ ، وَأَيْضًا ، لَوْ صَحَّ كَوْنُهَا ظَنِّيَّةً ; لَزِمَ مِنْهُ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ ، وَلَوْ سُلِّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ ; فَالِاصْطِلَاحُ اطَّرَدَ عَلَى أَنَّ الْمَظْنُونَاتِ لَا تُجْعَلُ أُصُولًا ، وَهَذَا كَافٍ فِي اطِّرَاحِ الظَّنِّيَّاتِ مِنَ الْأُصُولِ بِإِطْلَاقٍ ، فَمَا
[ ص: 24 ] جَرَى فِيهَا مِمَّا لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ فَمَبْنِيٌّ عَلَى الْقَطْعِيِّ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ بِالتَّبَعِ ، لَا بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ .