فصل
فإذا ثبت هذا ،
nindex.php?page=treesubj&link=21055وعمل العامل على مقتضى المفهوم من علة الأمر والنهي فهو جار على السنن القويم موافق لقصد الشارع في ورده وصدره ولذلك أخذ السلف الصالح أنفسهم بالاجتهاد في العبادة والتحري في الأخذ بالعزائم ، وقهروها تحت مشقات التعبد فإنهم فهموا أن الأوامر والنواهي واردة مقصودة من جهة الآمر والناهي
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=14لننظر كيف تعملون [ يونس : 14 ] ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ الملك : 2 ] .
لكن لما كان المكلف ضعيفا في نفسه ضعيفا في عزمه ضعيفا في صبره عذره ربه الذي علمه كذلك ، وخلقه عليه فجعل له من جهة ضعفه رفقا يستند إليه في الدخول في الأعمال ، وأدخل في قلبه حب الطاعة ، وقواه عليها ، وكان معه عند صبره على بعض الزعازع المشوشة والخواطر المشغبة ، وكان من جملة الرفق به أن جعل له مجالا في رفع الحرج عند صدماته ، وتهيئة له في أول العمل بالتخفيف استقبالا بذلك ثقل المداومة حتى لا يصعب عليه البقاء فيه والاستمرار عليه ، فإذا داخل العبد حب الخير وانفتح له يسر المشقة صار
[ ص: 422 ] الثقيل عليه خفيفا فتوخى مطلق الأمر بالعبادة بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=8وتبتل إليه تبتيلا [ المزمل : 8 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [ الذاريات : 56 ] .
فكأن المشقة وضدها إضافيان لا حقيقتان كما تقدم في مسائل الرخص ، فالأمر متوجه وكل أحد فقيه نفسه ، فإذا كان الأمر والنهي - المراد بهما الرفق والتوسعة على العبد ; اشتركت الرخص معهما في هذا القصد ، فكان الأمر والنهي في العزائم مقصودا أن يمتثل على الجملة ، وفي الرفق راجعا إلى جهة العبد : إذا اختار مقتضى الرفق ، فمثل الرخصة ، وإذا اختار خلافه فعلى مقتضى العزيمة التي اقتضاها قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=8وتبتل إليه تبتيلا [ المزمل : 8 ] وأشباهه .
فَصْلٌ
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ،
nindex.php?page=treesubj&link=21055وَعَمِلَ الْعَامِلُ عَلَى مُقْتَضَى الْمَفْهُومِ مِنْ عِلَّةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَهُوَ جَارٍ عَلَى السَّنَنِ الْقَوِيمِ مُوَافِقٌ لِقَصْدِ الشَّارِعِ فِي وِرْدِهِ وَصَدَرِهِ وَلِذَلِكَ أَخَذَ السَّلَفُ الصَّالِحُ أَنْفُسَهُمْ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ وَالتَّحَرِّي فِي الْأَخْذِ بِالْعَزَائِمِ ، وَقَهَرُوهَا تَحْتَ مَشَقَّاتِ التَّعَبُّدِ فَإِنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ الْأَوَامِرَ وَالنَّوَاهِيَ وَارِدَةٌ مَقْصُودَةٌ مِنْ جِهَةِ الْآمِرِ وَالنَّاهِي
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=14لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [ يُونُسَ : 14 ] ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [ الْمُلْكِ : 2 ] .
لَكِنَّ لَمَّا كَانَ الْمُكَلَّفُ ضَعِيفًا فِي نَفْسِهِ ضَعِيفًا فِي عَزْمِهِ ضَعِيفًا فِي صَبْرِهِ عَذَرَهُ رَبُّهُ الَّذِي عَلِمَهُ كَذَلِكَ ، وَخَلَقَهُ عَلَيْهِ فَجَعَلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ ضَعْفِهِ رِفْقًا يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ فِي الدُّخُولِ فِي الْأَعْمَالِ ، وَأَدْخَلَ فِي قَلْبِهِ حُبَّ الطَّاعَةِ ، وَقَوَّاهُ عَلَيْهَا ، وَكَانَ مَعَهُ عِنْدَ صَبْرِهِ عَلَى بَعْضِ الزَّعَازِعِ الْمُشَوَّشَةِ وَالْخَوَاطِرِ الْمُشْغِبَةِ ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الرِّفْقِ بِهِ أَنْ جَعَلَ لَهُ مَجَالًا فِي رَفْعِ الْحَرَجِ عِنْدَ صَدَمَاتِهِ ، وَتَهْيِئَةً لَهُ فِي أَوَّلِ الْعَمَلِ بِالتَّخْفِيفِ اسْتِقْبَالًا بِذَلِكَ ثِقَلَ الْمُدَاوَمَةِ حَتَّى لَا يَصْعُبَ عَلَيْهِ الْبَقَاءُ فِيهِ وَالِاسْتِمْرَارُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا دَاخَلَ الْعَبْدَ حُبُّ الْخَيْرِ وَانْفَتَحَ لَهُ يُسْرُ الْمَشَقَّةِ صَارَ
[ ص: 422 ] الثَّقِيلُ عَلَيْهِ خَفِيفًا فَتَوَخَّى مُطْلَقَ الْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=8وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا [ الْمُزَّمِّلِ : 8 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [ الذَّارِيَاتِ : 56 ] .
فَكَأَنَّ الْمَشَقَّةَ وَضِدَّهَا إِضَافِيَّانِ لَا حَقِيقَتَانِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسَائِلِ الرُّخَصِ ، فَالْأَمْرُ مُتَوَجِّهٌ وَكُلُّ أَحَدٍ فَقِيهُ نَفْسِهِ ، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ - الْمُرَادُ بِهِمَا الرِّفْقُ وَالتَّوْسِعَةُ عَلَى الْعَبْدِ ; اشْتَرَكَتِ الرُّخْصُ مَعَهُمَا فِي هَذَا الْقَصْدِ ، فَكَانَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فِي الْعَزَائِمِ مَقْصُودًا أَنْ يَمْتَثِلَ عَلَى الْجُمْلَةِ ، وَفِي الرِّفْقِ رَاجِعًا إِلَى جِهَةِ الْعَبْدِ : إِذَا اخْتَارَ مُقْتَضَى الرِّفْقِ ، فَمِثْلَ الرُّخْصَةِ ، وَإِذَا اخْتَارَ خِلَافَهُ فَعَلَى مُقْتَضَى الْعَزِيمَةِ الَّتِي اقْتَضَاهَا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=8وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا [ الْمُزَّمِّلِ : 8 ] وَأَشْبَاهُهُ .