فصل
فالذي يستفاد من هذا الموضع أشياء : منها : ; فإن الناس في العلم بالأدوات المحتاج إليها في التفسير على ثلاث طبقات : [ ص: 284 ] إحداها : من بلغ في ذلك مبلغ الراسخين كالصحابة والتابعين ومن يليهم وهؤلاء قالوا مع التوقي والتحفظ ، والهيبة والخوف من الهجوم ; فنحن أولى بذلك منهم إن ظننا بأنفسنا أنا في العلم والفهم مثلهم ، وهيهات . التحفظ من القول في كتاب الله تعالى إلا على بينة
والثانية : من علم من نفسه أنه لم يبلغ مبالغهم ولا داناهم ; فهذا طرف لا إشكال في تحريم ذلك عليه .
والثالثة : من شك في بلوغه مبلغ أهل الاجتهاد ، أو ظن ذلك في بعض علومه دون بعض ; فهذا أيضا داخل تحت حكم المنع من القول فيه ; لأن الأصل عدم العلم ، فعندما يبقى له شك أو تردد في الدخول مدخل العلماء الراسخين ; فانسحاب الحكم الأول عليه باق بلا إشكال ، وكل أحد فقيه نفسه في هذا المجال ، وربما تعدى بعض أصحاب هذه الطبقة طوره ; فحسن ظنه بنفسه ، ودخل في الكلام فيه مع الراسخين ، ومن هنا افترقت الفرق ، وتباينت النحل ، وظهر في تفسير القرآن الخلل .
- ومنها : أن من ترك النظر في القرآن ، واعتمد في ذلك على من تقدمه ، ووكل إليه النظر فيه غير ملوم ، وله في ذلك سعة إلا فيما لا بد له منه ، وعلى حكم الضرورة ; فإن النظر فيه يشبه النظر في القياس كما هو مذكور في بابه ، وما زال السلف الصالح يتحرجون من القياس فيما لا نص فيه ، وكذلك وجدناهم في القول في القرآن ; فإن المحظور فيهما واحد ، وهو خوف التقول على الله ، بل القول في القرآن أشد ; فإن القياس يرجع إلى نظر الناظر ، والقول في القرآن يرجع إلى أن الله أراد كذا ، أو عنى كذا بكلامه المنزل ، وهذا عظيم الخطر .
- ومنها : أن يكون على بال من الناظر والمفسر والمتكلم عليه أن ما يقوله تقصيد منه للمتكلم ، والقرآن كلام الله ; فهو يقول بلسان بيانه : هذا مراد الله [ ص: 285 ] من هذا الكلام ; فليتثبت أن يسأله الله تعالى : من أين قلت عني هذا ؟ فلا يصح له ذلك إلا ببيان الشواهد ، وإلا ; فمجرد الاحتمال يكفي بأن يقول يحتمل أن يكون المعنى كذا وكذا ، بناء أيضا على صحة تلك الاحتمالات في صلب العلم ، وإلا ; فالاحتمالات التي لا ترجع إلى أصل غير معتبرة ; فعلى كل تقدير لا بد في كل قول يجزم به أو يحمل من شاهد يشهد لأصله ، وإلا كان باطلا ، ودخل صاحبه تحت أهل الرأي المذموم ، والله أعلم .