الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
لباب النقول في أسباب النزول

بسم الله الرحمن الرحيم

[ ص: 7 ]

مقدمة

الحمد لله الذي جعل لكل شيء سببا، وأنزل على عبده كتابا عجبا، فيه من كل شيء حكمة ونبا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الخليقة عجما وعربا، وأزكاهم حسبا ونسبا، وعلى آله وأصحابه السادة النجبا.

وبعد: فهذا كتاب سميته: لباب النقول في أسباب النزول لخصته من جوامع الحديث والأصول، وحررته من تفاسير أهل النقول، والله أسأل النفع به فهو أكرم مسؤول، وأعظم مأمول.

[ ص: 8 ] لمعرفة أسباب النزول فوائد وأخطأ من قال لا فائدة له لجريانه مجرى التاريخ

ومن فوائده الوقوف على المعنى أو إزالة الإشكال

قال الواحدي لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان سبب نزولها

وقال ابن دقيق العيد : بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن

وقال ابن تيمية: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب وقد أشكل على جماعة من السلف معاني آيات حتى وقفوا على أسباب نزولها فزال عنهم الإشكال وقد بسطت أمثلة ذلك في النوع التاسع من كتاب الإتقان في علوم القرآن وذكرت له فوائد أخرى من مباحث وتحقيقات لا يحتملها هذا الكتاب قال الواحدي : ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن علمها

وقد قال محمد بن سيرين سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال اتق الله وقل سدادا ذهب الذين يعلمون فيم أنزل القرآن؟ وقال غيره معرفة سبب النزول أمر يحصل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا وربما لم يجزم بعضهم فقال أحسب هذه الآية نزلت في كذا كما قال الزبير في قوله تعالى "فلا وربك لا يؤمنون" الآية وقال الحاكم في علوم الحديث إذا أخبر الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا فإنه حديث مسند

ومشى على هذا ابن الصلاح وغيره ومثلوه بما أخرجه مسلم عن جابر قال كانت اليهود تقول من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله "نساؤكم حرث لكم" الآية

وقال ابن تيمية : قولهم نزلت الآية في كذا يراد به تارة أنها سبب النزول ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية وإن لم يكن السبب ، كما نقول عني بهذه الآية كذا

وقد تنازع العلماء في قول الصحابي نزلت هذه الآية في كذا هل يجري مجرى المسند كما لو ذكر السبب الذي أنزلت لأجله أو يجري مجرى التفسير منه الذي ليس بمسند ؟ فالبخاري يدخله في المسند وغيره لا يدخله فيه [ ص: 9 ] وأكثر المسانيد على هذا الاصطلاح كمسند أحمد وغيره بخلاف ما إذا ذكر سببا نزلت عقبه فإنهم كلهم يدخلون مثل هذا في المسند انتهى

وقال الزركشي في "البرهان" قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال نزلت هذه الآية في كذا فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية لا من جنس النقل لما وقع ،

قلت والذي يتحرر في سبب النزول أنه ما نزلت الآية أيام وقوعه ليخرج ما ذكره الواحدي في سورة الفيل من أن سببها قصة قدوم الحبشة فإن ذلك ليس من أسباب النزول في شيء بل هو من باب الإخبار عن الوقائع الماضية كذكر قصة قوم نوح وعاد وثمود وبناء البيت ونحو ذلك وكذلك ذكره في قوله (واتخذ الله إبراهيم خليلا) سبب اتخاذه خليلا فليس ذلك من أسباب نزول القرآن كما لا

التالي السابق


الخدمات العلمية