الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في حظر الهجاء والمدح بالزور .

وحظر الهجا والمدح بالزور والخنا وتشبيبه بالأجنبيات أكد ( وحظر ) أي منع ( الهجا ) أي الشتم والذم بالشعر . قال في القاموس : هجاه هجوا وهجاء شتمه بالشعر ( و ) حظر ( المدح بالزور ) أي الكذب الذي لا أصل له ( و ) حظر المدح ب ( الخنا ) أي الفحش .

قال في القاموس : الخنوة القذرة والفرجة في الخص ، وخنا خنوا فحش ، وأما خني كرضي وأخنى عليهم فمعناه أهلكهم ، والجراد كثر بيضه ، والمرعى كثر نباته ، وخنا الدهر آفاته ( و ) حظر ( تشبيبه ) أي المتشبب ( ب ) النساء ( الأجنبيات ) المعينات .

والمراد بالأجنبيات هنا من لا تحل له بخلاف نسائه وإمائه فلا حظر بالتشبيب بهن على المعتمد ، وكذا التشبيب بغير معينة كما تقدمت الإشارة إليه [ ص: 201 ] أكد ) الحظر والحرمة وامنع من ذلك كل المنع ولا ترخص في شيء منه .

    ووصف الزنا والخمر والمرد والنسا
الفتيات أو نوح التسخط مورد ( و ) كذا ( وصف ) سائر المحرمات من نحو ( الزنا و ) وصف ( الخمر ) التي هي أم الخبائث ( و ) وصف ( المرد ) جمع أمرد يعني التشبيب بهم سواء كان الأمرد معينا أو غير معين .

ورأيت في نسخة والنرد بدل المرد والمعنى صحيح ، فإن النرد من المحرمات فوصفه والتشبيب به محظور ، لكن الصواب الأول بدليل قوله ( والنسا الفتيات ) جمع فتاة ( أو نوح التسخط مورد ) كذا في النسخ ولعله أورد ليستقيم الإعراب فهو أمر من أورد لورود الشرع بحظر ذلك كله .

وقد تقدم كلام صاحب الفروع وغيره من أنه إن أفرط شاعر بالمدحة بإعطائه وعكسه بعكسه يعني أفرط بالهجاء والمذمة بمنعه ، أو شبب بمدح خمر أو بمرد أو امرأة معينة محرمة فسق ، لا إن شبب بامرأته أو أمته ، ذكره القاضي وهو المذهب ، جزم به في الإقناع وغيره ، وفي فصول ابن عقيل والترغيب ترد شهادته كديوث ، والمذهب خلافه كما علم .

وذكر صاحب الفروع في باب التعزير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قال الحطيئة في الزبرقان بن بدر :

    دع المكارم لا ترحل لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

وسأل عمر رضي الله عنه حسان ولبيدا رضي الله عنهما فقالا إنه هجاء له ، فأمر به فأرمي في بئر ثم ألقى عليه شيئا ، فقال الحطيئة :

ماذا تقول لأفراخ بذي مرح     زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسيهم في قعر مظلمة     فاغفر عليه سلام الله يا عمر
أنت الإمام الذي من بعد صاحبه     ألقت عليك مقاليد النهى البشر
لم يؤثروك بها إذ قدموك لها     لكن لأنفسهم كانت بك الأثر
فامنن على صبية بالرمل مسكنهم     بين الأباطح يغشاهم بها العذر
أهلي فداؤك كم بيني وبينهم     من عرض داوية يعمى بها الخبر

فحينئذ كلمه فيه عبد الرحمن بن عوف وعمرو بن العاص رضي الله عنهما [ ص: 202 ] واسترضاه حتى أخرجه من السجن ثم دعاه فهدده بقطع لسانه إن عاد يهجو أحدا .

قلت : والحطيئة هذا كان هجاء حتى إنه روي أنه هم بهجاء فلم يجد من يستحقه فقال :

أبت شفتاي اليوم إلا تكلما     بسوء فما أدري لمن أنا قائله
أرى لي وجها قبح الله خلقه     فقبح من وجه وقبح حامله

فهجا نفسه ، وهجا أمه بقوله :

تنحي فاجلسي عني بعيدا     أراح الله منك العالمينا
أغربالا إذا استودعت سرا     وكانونا على المتحدثينا
حياتك ما علمت حياة سوء     وموتك قد يسر الصاحبينا

وهجا بعضهم امرأة فقال :

لها جسم برغوث وساق بعوضة     ووجه كوجه القرد بل هو أقبح
تبرق عيناها إذا ما رأيتها     وتعبس في وجه الجليس وتكلح
لها مضحك كالحش تحسب أنها     إذا ضحكت في أوجه الناس تسلح
إذا عاين الشيطان صورة وجهها     تعوذ منها حين يمسي ويصبح



التالي السابق


الخدمات العلمية