الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ثم إنه تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يطالب مشركي قومه بإحضار من عساهم يعتمدون عليه من الشهداء في إثبات تحريم الله تعالى عليهم ما ادعوه من المحرمات بعد أن نفى عنهم العلم ، وسجل عليهم اتباع الحزر والخرص ليظهر لهم أنهم ليسوا على شيء يعتد به من العلم الاستدلالي ولا الشهودي في أنفسهم ، ولا على شيء من النقل عن ذي علم شهودي فقال له : ( قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا ) أي أحضروا شهداءكم الذين يخبرون عن علم شهودي أن الله حرم عليكم هذا الذي زعمتم تحريمه ، وهو طلب تعجيز لأنه ما ثم شهداء يشهدون ، فهو كالاستفهام عن العلم بذلك قبله ، وكقوله من قبل : ( أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا ) ( 144 ) فراجع تفسيره ، ولم يقل هاتوا شهداء ليحضروا أي امرئ يقول ما شاء ، فإضافة الشهداء إليهم ووصفهم بما وصفهم يقتضي أن المطلوب منهم إحضاره هو جماعة من أهل العلم ، الذين تتلقى عليهم الأمم الأحكام الدينية وغيرها بالأدلة الصحيحة التي تجعل النظريات كالمشهودات بالحس ، أو كالرسل الذين يتلقون الدين من الوحي الإلهي وهو أقوى العلوم الضرورية عندهم ، كأنه يقول : إذا لم تكونوا أنتم على علم تقيمون الحجة على صحته ، وكان عندكم شهداء تلقيتم عنهم ذلك وهم يقدرون على ما لا تقدرون عليه من الشهادة فأحضروهم لنا ، ليدلوا بما عندهم من الحجة التي قلدتموهم لأجلها ، ثم قال له : ( فإن شهدوا فلا تشهد معهم ) أي فإن فرض إحضار شهداء شهدوا فلا تشهد معهم ، أي فلا تقبل شهادتهم ولا تسلمها لهم بالسكوت عليها فإن السكوت عن الباطل في مثل هذا المقام كالشهادة به ، بل بين لهم بطلان زعمهم الذي سموه شهادة - فأمثال هذه الفروض تذكر لأجل التذكير بما يجب أن يترتب عليها إن وجدت كما يزعم أصحاب الأهواء فيها ; ولذلك قال : ( ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا ) أي ولا تتبع أهواء هؤلاء الناس الذين كذبوا بآياتنا المنزلة ، وما أرشدت إليه من آياتنا في الأنفس والآفاق ، فوضع الظاهر موضع الضمير إذ لم يقل ولا تتبع أهواءهم ، لبيان أن المكذب بهذه الآيات والحجج الظاهرة - إصرارا على تقاليده الباطلة - إنما يكون صاحب هوى وظن لا صاحب علم وحجة .

                          ( والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون ) أي والذين هم على جهلهم واتباع أهوائهم ، لا يؤمنون بالآخرة فيحملهم الإيمان على سماع الحجة إذا ذكروا بها ، وهم مع ذلك يشركون بربهم فيتخذون له مثلا وعدلا يعادله ويشاركه في جلب الخير والنفع ودفع الضر ، إن لم يكن باستقلاله وقدرته ، فبحمله للرب على ذلك والتأثير في علمه وإرادته .

                          ومن مباحث اللفظ أن " هلم " اسم بمعنى فعل الأمر يستوي فيه عند أهل الحجاز وعالية [ ص: 161 ] نجد المذكر والمؤنث والمثنى والجمع ، ويقول البصريون : إن أصله " ها " التي للتنبيه و " لم " التي بمعنى القصد ، وفعله يذكر ويؤنث ويجمع في لغة بني تميم فيقال : هلمي وهلما وهلموا .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية