الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                ومنها ولاية التأديب للزوج إذا لم تطعه فيما يلزم طاعته بأن كانت ناشزة ، فله أن يؤدبها لكن على الترتيب ، فيعظها أولا على الرفق واللين بأن يقول لها كوني من الصالحات القانتات الحافظات للغيب ولا تكوني من كذا وكذا ، فلعل تقبل الموعظة ، فتترك النشوز ، فإن نجعت فيها الموعظة ، ورجعت إلى الفراش وإلا هجرها .

                                                                                                                                وقيل يخوفها بالهجر أولا والاعتزال عنها ، وترك الجماع والمضاجعة ، فإن تركت وإلا هجرها لعل نفسها لا تحتمل الهجر ، ثم اختلف في كيفية الهجر قيل يهجرها بأن لا يجامعها ، ولا يضاجعها على فراشه ، وقيل يهجرها بأن لا يكلمها في حال مضاجعته إياها لا أن يترك جماعها ومضاجعتها ; لأن ذلك حق مشترك بينهما ، فيكون في ذلك عليه من الضرر ما عليها ، فلا يؤدبها بما يضر بنفسه ، ويبطل حقه ، وقيل يهجرها بأن يفارقها في المضجع ، ويضاجع أخرى في حقها وقسمها ; لأن حقها عليه في القسم في حال الموافقة وحفظ حدود الله تعالى لا في حال التضييع وخوف النشوز والتنازع وقيل يهجرها بترك مضاجعتها ، وجماعها لوقت غلبة شهوتها ، وحاجتها لا في وقت حاجته إليها ; لأن هذا للتأديب والزجر ، فينبغي أن يؤدبها لا أن يؤدب نفسه بامتناعه عن المضاجعة في حال حاجته إليها ، فإذا هجرها ، فإن تركت النشوز ، وإلا ضربها عند ذلك ضربا غير مبرح ، ولا شائن ، والأصل فيه قوله عز وجل { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن } ، فظاهر الآية وإن كان بحرف الواو الموضوعة للجمع المطلق لكن المراد منه الجمع على سبيل الترتيب ، والواو تحتمل ذلك ، فإن نفع الضرب ، وإلا رفع الأمر إلى القاضي ليوجه إليهما حكمين حكما من أهله ، وحكما من أهلها كما قال الله تعالى : { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما } ، وسبيل هذا سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حق سائر الناس أن الآمر يبدأ بالموعظة على الرفق واللين دون التغليظ في القول ، فإن قبلت ، وإلا غلظ القول به ، فإن قبلت ، وإلا بسط يده فيه ، وكذلك إذا ارتكبت محظورا سوى النشوز ليس فيه حد مقدر ، فللزوج أن يؤدبها تعزيرا لها ; لأن للزوج أن يعزر زوجته كما للمولى أن يعزر مملوكه .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية