الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الثالثة ، في الكتاب : إذا أخذت كفيلا بعد كفيل فلك في عدم غريمك أيهما شئت بجميع الحق بخلف كفيلين في صفقة ، إلا أن يشترط حمالة بعضها لبعض ، وليس أخذ الحميل الثاني إبراء للحميل الأول ، بل كل واحد حميل بالجميع ، قال التونسي : إذا كان أحدهما حميلا بالوجه فمات لم تسقط الحمالة عند ابن القاسم بموته ، وسقطت عند عبد الملك ; لأنه إنما تكلف المجيء به إذا كان حيا ، وعند ابن القاسم يلزم ورثته الإتيان به ، ولعله يريد إذا حل أجل الدين وإن مات حميل الحميل ثم تحمل بالمال فالحمالة عليه ثانية ، ولم يقل هاهنا يؤخذ من تركته المال لرب الدين أو يوقف قدر ذلك ; لأن الحميل هاهنا بالمال وهو الميت إنما تحمل [ ص: 236 ] بالحميل بالوجه ، والحميل بالوجه لم تلزمه غرامة ولا طلب .

                                                                                                                قال ابن يونس : قال ابن القاسم : إذا تحمل ثلاثة بمال حيهم بميتهم ومليهم بعدمهم ، وأخذ من أحدهم حميلا بما عليه ، ولم يشترط ذلك على الحميل ، فقام على هذا الحميل في عدم الذي عنده تحمل ، وأراد إغرامه جميع المال فقال : أنا أغرم ثلث المال الذي على صاحبي في نفسه ، قال : يلزم جميع الحق ; لأنه قد لزمه ما لزم من تحمل عنه ، يريد وقد علم الحميل ما على الحملاء من الشروط ، ولو تحمل هذا الحميل عنهم بجميع الحق فوداه فله أن يأخذ بالحق كله أحدهم كما كان للطالب ، وكما لو تحمل هؤلاء بما على أحدهم فللغريم اتباعه بالحق كله ، كما له أن يتبع أحد الغرماء ، وقد تقدمت مباحث من هذه المسألة في الركن الرابع في الشيء المضمون .

                                                                                                                الرابعة ، في الكتاب : اشترى ثلاثة وتحمل بعضهم عن بعض بالثمن على أن يأخذ البائع أيهم شاء لحقه ، فمات أحدهم وادعى الوارث أن موروثه دفع جميع الثمن ، وشهد شاهد حلف مع شاهده وبرئ وليه ، ويرجع على الشريكين بحصتهما ، فإن نكل لم يحلف الشريكان لأنها يغرمان ، إلا أن يقولا نحن أمرناه بالدفع عنا وعنه ، ودفعنا ذلك إليه وإنما هو حق علينا ، فالشاهد لنا فيحلفان ، ويبرآن ، قال صاحب النكت : معنى قوله لا يحلف الشريكان إذا ادعيا أن الميت دفع الثمن من ماله ويغرم الوارث ما ينوبه لنكوله بعد رد اليمين ، على البائع له أنه ما قبض من وليه شيئا ، وهذا إذا كان الميت مليا بما ينوب الوارث اليوم ، فإن كان عديما اليوم كان لهذين أن يحلفا ، فإن دعواهما أن الميت دفع الجميع من ماله ليبرآ من حمالة الثلث الذي الميت به عديم ، فإن حلفا غرما الثلثين للورثة ، وغرم الورثة للبائع ثلث الحق مما قبضوا من الشريكين لنكول الورثة ، وإن ادعيا أن الثمن من عندهما حلفا ، لقد دفع الميت ذلك وبرآ ، ورجع البائع على الورثة بما ينوبهم لنكولهم بعد أن يحلف البائع أنه ما قبض من وليهم شيئا ، وللشريكين أن يرجعا عليهما فيقولا لهما نحن دفعنا جميع الثمن ، فإما أن تحلفوا على علمكم أنا ما دفعنا إليه شيئا وتبرؤا ، وإن نكلتم حلفنا لقد دفعنا الجميع ، [ ص: 237 ] وغرمتم ثلث جميع الثمن ، وقوله لا يمين على الشريكين إن ادعيا أن الميت دفع الثمن من ماله ، يريد ولا يغرمان للورثة شيئا من أجل قولهم إن الميت دفع عن الثلثين ; لأن الشريكين يقولان : الميت لم يشهد حين دفع ، وقولهم لم يدفع بحضرتنا ، وإنما بلغنا ذلك عنه فلا يلزمنا للورثة بإقرارنا أنه دفع ، قال بعض الأندلسيين : وفيها نظر وينبغي أن حلف الشريكان أنهما دفعا للميت ما لزمهما ، وأنهما أمراه بالدفع أن يتبع ذمة الميت بحصته بعد أن يحلف أنه ما دفع له شيئا ، وإن قال الشريكان دفعنا إليه الجميع ، وأمرناه بالدفع عنه وعنا وحلفنا على ذلك ، لاتبعا ذمة الميت بحصته إذا لم يحلف ورثته ، وعلى الشريكين إذا حلفا أن يزيدا في حلفهما ، ولقد دفعنا ما أمرناه بدفعه ، قال صاحب المقدمات : في هذه المسألة إشكال ، وهو الورثة إذا نكلوا عن اليمين مع شاهدهم ، فالميت إما أن يكون مليا أو معدما ، فإن كان الميت مليا وصدق الشريكان الورثة فيما ادعوا من أن الميت دفع جميع الحق من ماله للبائع عن نفسه وعنهما ليرجع عليهما ويرجع بالثمن على البائع ، فيحلف على تكذيب ما شهد به الشاهد ، ويرجع بجميع حقه فيأخذ ثلثيه من الشريكين ، وثلثيه من مال الميت ، ولا يرجع الورثة على الشريكين بما يقربهما من المال الذي أقروا أن موروثهم أداه على ما شهد به الشاهد ، وإن كانا قد صدقاه في شهادته بذلك لتفريط الميت بترك الإشهاد فالمصيبة منه ، قال ابن أبي زيد : إلا أن يكون الدفع بحصتهما فيكون لهما الرجوع ، وفيه قولان لابن القاسم وتعليله ، في الكتاب : لا يحلف الشريكان ، لأنهما يغرمان ، يوهم أنهما إن حلفا غرما للورثة ، وإن لم يحلفا غرما للبائع ، ولو كان كذلك لكان من حصتهما أن يحلفا إن شاء إسقاط طلب البائع عنهما لما يرجوان من مسامحة الورثة ولا يصح ذلك ; لأن الورثة لا يرجعون عليهما بما ينوبهما مما أدى الميت عنهما من ماله وإن صدقاه على الدفع ، إلا أن يقرا أنه كان بحضرتهما على أحد القولين لابن القاسم ، وإنما كان يجب أن يقول لا يحلفان ، [ ص: 238 ] ويغرمان للبائع ، فإن نكل البائع في هذا الوجه عن اليمين بعد نكول الورثة سقط حقه ، ورجع الورثة على الشريكين بما ينوبها من الحق ، وأما إن قالا دفع جميع ذلك من أموالنا بوكالتنا ، فقال ابن أبي زيد : يحلف الشريكان بعد دفع الميت ذلك ويبرآن ، ورجع البائع على الورثة بما ينوبهم لنكولهم بعد يمينه أنه ما قبض من وليهم ، وللشريكين تحليف الورثة إن كانوا كبارا ما يعلمون أنهم دفعوا من أموالهما إلى وليهم شيئا ، فإن نكلوا حلفا لقد دفعا جميع الحق إليه ورجعا عليهم بالثلث الذي ينوبهم منه ، وقال أبو إسحاق التونسي : يأخذ البائع من جميع ماله بعد حلفه ، ويحلف الورثة للشريكين ما يعلمون أنهما دفعا إلى وليهم شيئا ، وإن نكلوا حلف الشريكان لقد دفعنا ذلك إليه ورجعا عليهم في التركة بما ينوب الميت من ذلك ، ولا يكون للشريكين أن يحلفا لقد دفع الميت ذلك من أموالهما ويبرآن ; لأن ما في يد الميت على ملكه حتى يثبت الدفع ، وقال بعض الأندلسيين : يحلف الشريكان لقد دفع الميت ذلك من أموالهما ويبرآن ويرجعان على الورثة بما ينوبهما إذا لم يحلفوا ، فهذه ثلاثة أقوال في هذا الوجه ، والذي يوجبه النظر إذا لم يكن للشريكين بينة على دعواهما أن يحلف الورثة ما علموا ذلك ، فإن حلفوا لا يمكن الشريكان من اليمين ، وحلف البائع لنكول الورثة ، ورجع عليهما وعلى الورثة بحقه ، وإن نكلوا عن اليمين حلف الشريكان لقد دفعنا ذلك إليه ، ولقد دفع ذلك هو للبائع ويبرآن من نصيبهما ، ورجعا على الورثة بما ينوبهما ، وأما إن قالا دفعنا للبائع من ماله وأموالنا ، ففي قول ابن أبي زيد يحلف الشريكان ويبرآن ، ويحلف البائع ويرجع على الورثة بما ينوبه من ذلك ، وعلى قول التونسي لا يمكن الشريكان من اليمين ، ويحلف البائع ويرجع على جميعهم بحمالته ، والذي يوجبه النظر أن يحلف الورثة أنهم ما يعلمون أنهما دفعا إليه شيئا ، فإن حلفا على ذلك لم يمكن الشريكان من اليمين ، وحلف البائع ورجع على جميعهم ، وإن نكلوا حلف الشريكان لقد دفعا ذلك للميت وحلفا مع الشاهد لقد دفع ذلك الميت إلى البائع ويبرآن من قصتهما ، وحلف البائع ما دفع إليه شيئا ، ورجع على الورثة بما ينوبهم وإن كان [ ص: 239 ] الميت معدما فلا يخلو أيضا من الوجوه الثلاثة المذكورة ، الوجه الأول أن يصدق الشريكان الورثة أن الميت دفع جميع الحق من ماله عن نفسه وعنهما ليرجع عليهما بما ينوبهما ، قال ابن أبي زيد : للشريكين أن يحلفا مع الشاهد ليبرآ من حمالة الثلث الذي الميت به معدم ، فإن حلفا غرما للورثة الثلثين ورجع البائع عليهم بالثلث ، إذا غذا حلف أنه لم يقبض من وليهم شيئا ، وقال التونسي : إذا حلف الشريكان مع الشاهد ليبرآ من حمالة الثلث الذي الميت به معدم لا يغرمان الثلثين للورثة ، وإنما يغرمان ذلك للبائع بعد يمينه ، وهو الصحيح على ما تقدم أنهما لا يلزمهم للورثة ما دفع للميت عنهما من ماله لتفريطه بعدم الإشهاد ، والوجه الثالث إن كان الميت مليا ويستوي ملاؤه وعدمه إلا في اتباع ذمته إذا طرأ له مال .

                                                                                                                الخامسة قال صاحب البيان : قال ابن القاسم : إذا اشتريت وغلامك سلعة وتحمل بعضكما ببعض ، فبعت العبد قبل الأجل ، ليس عليك شيء حتى يحل الأجل ، ولا يلزمك إخلاف حميل مكان العبد ، ويتبع البائع العبد حيث كان ، وإن رضي المشتري بالعبد معيبا بذلك ، وإلا رده إلا أن يخرجه من العيب بالقضاء عنه لدخول الحميل على ذلك ; لأن شأن العبد أن يباع ، قال القاضي : وفي جواز هذا البيع نظر ، لأنك بالبيع منتزع لماله ، والعبد المأذون له في التجارة إذا كان عليه دين لا ينتزع ماله ، فمعنى المسألة عندي أن العبد محجور عليه ; لأن ما لزم المحجور من الدين لا يسقطه السيد عن ذمة المحجور ، نحو هذا الدين الذي علم به فأمضاه ، لا يكون إلا فيما وهب له ، أو تصدق به عنه .

                                                                                                                السادسة قال : قال ابن القاسم : اشتريتها وتحمل بعضكما ببعض ، وأيكما شاء أخذ بالثمن فتحمل عنكما ثالث بذلك الحق ، فأخذ الحق منه فله أخذكما بجميع الحق ; لأنه لو تحمل للغريم بما على أحدكما فإن للغريم أن يتبعه بالحق كله ; لأنه مع أحدكما لذلك يريد إذا تحمل بأحدكما وعرف ما عليه من الشرط قال ابن [ ص: 240 ] القاسم : فلو سأل البائع أحدكما حميلا بما عليه ففعل ولم يشترط على الحميل شيئا فعليه الحق كله إن أراد أخذ المحمول عنه بالحق تحمل بأحد الغريبين ، وهو محمول على عدم العلم حتى يثبت العلم ويحلف على ذلك ; لأن الأصل عدم الإطلاع .

                                                                                                                السابعة قال صاحب النوادر قال أصبغ : في ثلاثة تحمل بعضهم عن بعض فيما عليهم ، فأخذها ربها من أحدهم وادعى كل واحد ( كذا ) أنه يصدق المقتضي في تعيينه مع يمينه ، فإن قال : لا أدري حلف أنه لا يدريه ; لأنه أمر لا يعلم إلا من قبله ثم يحلف أنه الدافع ، فإن حلفوا أو نكلوا لم يرجع أحد على الآخر ، وإلا رجع الحالف على الناكل بما يقتضيه يمينه ، ولو قبض البعض من أحدهم وادعاهم جميعهم صدق في الدفع كالكل ، فإن قال : لا أدري ، حلف الحملاء ، ولا تراجع بينهم لعدم تعين الدافع ، ولو قال بعد ذلك أدري الدافع إلي ، لم يعتبر قوله ، لتقدم ما يكذبه منه ، ونحو قول أصبغ هذا لسحنون ، وقال ابن القاسم : إذا قال القاضي : لم يبق لي عندهما شيء ، وادعى كل واحد منهما أنه الدافع القابض كشاهد يحلف معه الدافع ، إذا لم يبق عليه تهمة ، وقال محمد غن قال نسقا لم يبق لي عندهما شيء قد أخذته من فلان جاز قوله بغير يمين لمن أقر له ، وإن لم يكن عدلا لو قال : تركت حقي كله ، وأما إذا ثبت سقوطه عنهم ثم قال : أخذته من فلان ، وهو كشاهد ليخلص قوله من الإقرار على نفسه لعدم الحق للشاهد .

                                                                                                                الثامنة قال : قال ابن القاسم : إذا قلت : أيها شئت أخذت بحقي ، فتحت ( كذا ) أحدهما ، فله أن يقول : احبسوا معي صاحبي لاستوائهما في الحالة .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية