الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله : والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان . إلى آخره . التعمق : هو المبالغة في طلب الشيء . والمعنى : أن المبالغة في طلب القدر والغوص في الكلام فيه ذريعة الخذلان . الذريعة : الوسيلة . والذريعة والدرجة والسلم - متقارب المعنى ، وكذلك الخذلان والحرمان والطغيان متقارب المعنى أيضا . لكن الخذلان في مقابلة النصر ، والحرمان في مقابلة الظفر . والطغيان في مقابلة الاستقامة .

[ ص: 337 ] وقوله : فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة . عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألوه : إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به ؟ قال : وقد وجدتموه ؟ [ قالوا : نعم ] ، قال : ذلك صريح الإيمان . رواه مسلم ، الإشارة بقوله : ذلك صريح الإيمان إلى تعاظمهم أن يتكلموا به . ولمسلم أيضا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة ؟ فقال : تلك محض الإيمان . وهو بمعنى حديث أبي هريرة ، فإن وسوسة النفس أو مدافعة وسواسها بمنزلة المحادثة الكائنة بين اثنين ، فمدافعة الوسوسة الشيطانية واستعظامها صريح الإيمان ومحض الإيمان . هذه طريقة الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان . ثم [ ص: 338 ] خلف من بعدهم خلف ، سودوا الأوراق بتلك الوساوس ، التي هي شكوك وشبه ، بل وسودوا القلوب ، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ، ولذلك أطنب الشيخ رحمه الله في ذم الخوض في الكلام في القدر والفحص عنه . وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم . وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا داود بن أبي هند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر ، قال : فكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب ، قال : فقال لهم : ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض ؟ بهذا هلك من كان قبلكم . قال : فما غبطت نفسي بمجلس فيه رسول الله لم أشهده ، بما غبطت نفسي بذلك المجلس ، أني لم أشهده . ورواه ابن ماجه أيضا . وقال تعالى : فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا ( التوبة : 69 ) ، الخلاق : النصيب ، [ ص: 339 ] قال تعالى : وما له في الآخرة من خلاق ( البقرة : 200 ) ، أي : استمتعتم بنصيبكم كما استمتع الذين من قبلكم بنصيبهم وخضتم كالذي خاضوا ، أي : كالخوض الذي خاضوه ، أو كالفوج أو الصنف أو الجيل الذي خاضوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية