الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 478 ]

                قالوا : إن نصوا على أن الجامع التخمير ، فالنبيذ خمر بالوضع ، وإلا فإلحاق ما ليس من لغتهم بها .

                قلنا : ليس النص من شروط الجامع ، بل يثبت بالاستقراء .

                قالوا : سموا الفرس أدهم لسواده ، وكميتا لحمرته ، ولم يلحق بهما غيرهما .

                قلنا : موضوع للجنس والصفة ، فالعلة ذات وصفين ، فلا يثبت الحكم بأحدهما ، ثم هو معارض بمثله في القياس الشرعي .

                قالوا : الشرعي يثبت بالإجماع ، ولا إجماع هنا .

                التالي السابق


                قوله : " قالوا : إن نصوا على أن الجامع التخمير " ، إلى آخره .

                هذا دليل نفاة القياس في الأسماء .

                وتقريره : أن العرب في تسميتهم للخمر لا يخلو : إما أن يكونوا نصوا على أن التخمير هو علة تسميتهم لها خمرا أو لم ينصوا ، فإن نصوا على ذلك ، فالنبيذ خمر بالوضع لا بالقياس ، لأن التقدير حينئذ في لغتهم أن كل مائع قام به التخمير ، فهو خمر ، فإذا رأينا النبيذ مائعا قام به التخمير ، وجب أن يكون خمرا بنص أهل اللغة على جنسه ووضعهم له ، كما إذا قالوا : كل ذكر من بني آدم ، فهو رجل ، وكل أنثى منهم ، فهي امرأة ، فيقال : هذا الشخص ذكر من بني آدم أو أنثى ، فهو رجل أو امرأة بالوضع لا بالقياس . وإن لم ينصوا على أن علة تسمية الخمر التخمير ، كان تسميتنا للنبيذ خمرا خارجا عن لغتهم ، وإلحاقا لما ليس منها بها فقد دار الأمر بين أن الأسماء التي ادعيتم إثباتها بالقياس إما وضعية أو خارجة عن اللغة العربية ، وحينئذ لا يثبت القياس في الأسماء ، إما للخروج عن اللغة ، أو لعدم مصادفة القياس [ ص: 479 ] قابلا .

                قوله : " قلنا : ليس النص من شرط الجامع " ، إلى آخره .

                هذا جواب عن دليلهم بمنع الحصر .

                وتقريره : لا نسلم أن شرط الجامع بين الأصل والفرع أن يكون منصوصا عليه من جهة الواضع ، بل شرطه أن يكون مدلولا عليه بالنص أو التنبيه ، ونستخرجه بالاستقراء أو الاستدلال ، كما أن العلة في القياس الشرعي تثبت بالنص والإيماء ، وتستخرج بالاستدلال وتخريج المناط ونحوه .

                وإذا ثبت ذلك ، فنحن استقرأنا كثيرا من لغة العرب ، فوجدناهم يضعون الاسم الكلي لمعنى قائم بمسماه ، وذلك يقتضي أن كل فرد من أفراد ذلك المعنى إذا قام بذات ، سمينا تلك الذات بذاك الاسم ، كما أن الشرع لما نص على تحريم الربا في النقدين ، وفهمنا من تحريمه علة الوزن ، حكمنا بأن كل موزون ربوي يحرم فيه التفاضل إذا بيع بجنسه .

                قوله : " قالوا : سموا الفرس أدهم لسواده " ، إلى آخره .

                هذا نقص من الخصم على هذا الجواب وعلى أصل الدليل .

                وتقريره : لو استقل فهم الجامع بصحة القياس في الأسماء ، لجاز أن يسمى كل أسود أدهم ، وكل أحمر كميتا ، لأن العرب سمت الفرس أدهم لسواده ، وكميتا [ ص: 480 ] لحمرته ، ثم لم يلحق بهما غيرهما في تسميته أدهم وكميتا . وذلك يمنع من استقلال فهم الجامع بالقياس ، فلا يصح القياس في الأسماء .

                قوله : " قلنا : موضوع للجنس والصفة " ، إلى آخره .

                أي : الأدهم والكميت موضوع للجنس والصفة ، أي : لجنس الفرس وصفة السواد والكمتة " فالعلة ذات وصفين ، فلا يثبت الحكم بأحدهما " وتحقيق هذا أنه شبيه بباب الاشتقاق حيث يوجد في المشتق خصوص المحل مع المعنى المشتق منه ، كما سمي الأسد ضيغما مشتقا من الضغم ، وهو العض الشديد ، ولم يسم الجمل ضيغما ، وإن كان العض الشديد موجودا فيه ، لأن خصوصية الأسدية مرادة في الضغم ، والبعير ليس بأسد ، فكذلك هاهنا خصوصية الفرسية موجودة في الأدهم مع السواد .

                فإذا قيل لنا : لم لم تسموا زيدا الأسود أو الثور الأسود أدهم ؟ قلنا : لأنه ليس بفرس ، فانتفى فيه أحد الوصفين في المسمى ، وأحد جزئي الاسم ، وكل علة كانت ذات وصفين ، أو حكم علق على شرطين ، لم يوجد الحكم بأحدهما ، لأن العلة والشرط لا يؤثران إلا كاملين .

                قوله : " ثم هو معارض بمثله في القياس الشرعي " ، أي : ما ذكرتموه من أنهم [ ص: 481 ] سموا الفرس أدهم لسواده ، ولم يسموا كل أسود أدهم ، غايته أن القياس في الأسماء لم يطرد ، فيرجع إلى تخصيص العلة ، وهو معارض بتخصيص العلة في القياس الشرعي ، فكما يتخلف الحكم عن العلة في القياس شرعا ، ولم يقتض ذلك بطلان أصل القياس ، كذلك يتخلف الحكم عن العلة في القياس لغة ، ولا يقتضي بطلان أصل القياس ، فحصل الجواب عن سؤالهم المذكور بوجهين :

                أحدهما : منع أن العلة في تسميتهم الفرس أدهم مجرد السواد ، بل مع خصوصية الفرسية .

                الثاني : بتقدير تسليم ذلك هو تخصيص للعلة اللغوية ، فهو كتخصيص العلة الشرعية .

                قوله : " قالوا : الشرعي يثبت بالإجماع ، ولا إجماع هنا " .

                هذا منع منهم للأصل في قياسنا القياس اللغوي على القياس الشرعي .

                وتقريره : أن القياس الشرعي يثبت بالإجماع ، ولولاه لما استقل وجود الجامع بين الأصل والفرع بجوازه .

                وإذا ثبت أن القياس الشرعي إنما يثبت بالإجماع لم يصح قياس اللغوي عليه ، لأنه لم يثبت بالإجماع .




                الخدمات العلمية