الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في مسائل منثورة تتعلق بكتاب السير

                                                                                                                                                                        إذا أسلم كافر وقد لزمه كفارة يمين أو ظهار أو قتل ، ففي سقوطها عنه وجهان ، نقلهما الشيخ أبو علي ، أصحهما : المنع ، كالدين ، والثاني : نعم ، لأن الإسلام يجب ما قبله ، قال الإمام : هذا ضعيف هادم للقواعد .

                                                                                                                                                                        قلت : ولو وجب على ذمي حد زنى فأسلم ، نقل ابن المنذر في " الإشراف " عن نص الشافعي رحمه الله أنه يسقط عنه الحد ، وحكاه عن مالك أيضا ، ورواية عن أبي حنيفة ، وقال أبو ثور : لا يسقط ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو استولى الكفار على أموال المسلمين ، لم يملكوها سواء [ ص: 294 ] أحرزوها بدار الحرب أم لا ، وسواء العقار وغيره ، وإذا أسلموا والمال في أيديهم ، لزمهم رده إلى أصحابه ، وإن غنمه طائفة من المسلمين ، لزمهم رده إلى صاحبه ، فإن ظهر الحال بعد القسمة ، رده من وقع في سهمه ، ويعوضه الإمام من بيت المال ، فإن لم يكن في بيت المال شيء ، أعاد القسمة ، ونص أنه لو أحرز مشرك جارية مسلم وأولدها ، ثم ظفر المسلمون بهم ، فالجارية والولد للمسلم ، فإن أسلم الواطئ ، أخذ مالكها منه المهر وقيمة الولد ، قال ابن سريج : هذا محمول على ما إذا وطئ وأولد بعد إسلامه ، فيلزمه المهر ، والولد حر للشبهة ، ولو أسرت مسلمة ، فنكحها حربي ، أو أصابها بلا نكاح ، فأولدها ، ثم ظفرنا بهم ، لم يسترق أولادها ، لأنهم مسلمون بإسلامها ، ويلحقون الناكح للشبهة ، ونص أن جارية المسلم لو استولى عليها كفار ، ثم عادت إلى مالكها ، فلا استبراء عليه ، لأن ملكه لم يزل ، لكن يستحب ، ولو أسرنا قوما ، فقالوا : نحن مسلمون أو أهل ذمة ، صدقوا بأيمانهم إن وجدوا في دار الإسلام ، وإن وجدوا في دار الحرب ، لم يصدقوا ، ولو دخل حربي دارنا بأمان ، فاشترى عبدا مسلما ، وخرج به إلى دار الحرب ، فظفر به المسلمون ، فإن قلنا : يصح الشراء ، فهو غنيمة ، وإلا فهو لبائعه ، ويلزمه رد الثمن على المستأمن .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        نص في حرملة ، أنه لو أهدى مشرك إلى الأمير ، أو إلى الإمام هدية والحرب قائمة ، فهي غنيمة بخلاف ما لو أهدى قبل أن يرتحلوا عن دار الإسلام ، فإنه للمهدى إليه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        فداء الأمير الأسير مستحب ، فلو قال مسلم لكافر : أطلق أسيرك [ ص: 295 ] ولك علي ألف ، فأطلقه ، لزمه الألف ، ومتى فدى أسيرا بمال بغير سؤال الأسير ، لم يرجع عليه به ، ولو قال الأسير : افدني بكذا على أن ترجع علي ، ففعل ، رجع عليه ، وكذا لو لم يشرط الرجوع على الأصح ، ولو قال الأسير للكافر : أطلقني على كذا ، ففعل ، أو قال له كافر : افتد نفسك بكذا ، ففعل ، لزمه ما التزم ، والمال الذي فدى الأسير به إذا استولى عليه المسلمون ، هل يكون غنيمة أم يرد إلى الفادي ؟ وجهان : قلت : قد سبق عن صاحب البيان أن مقتضى المذهب أنه يرد وهو أصح ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        دخل مسلم دار الحرب ، فوجد مسلمة أسروها ، لزمه إخراجها إن أمكنه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        سبق أنه إذا اقتصر في الأمان على قوله : أمنتك ، هل يتعدى إلى ما معه من أهل ومال ؟ وجهان ، وإن تعرض له ، تعدى قطعا ، وفي " البحر " تفصيل حسن ، حكاه أو بعضه عن الحاوي وهو أنه إن أطلق الأمان ، دخل فيه ما يلبسه من ثياب ، وما يستعمله في حرفته من آلات ، وما ينفقه في مدة الأمان للعرف الجاري بذلك ، ومركوبه إن كان لا يستغني عنه ، ولا يدخل غير ذلك ، وإن بذل له الأمان على نفسه وماله ، فالمال أيضا في أمان إن كان حاضرا ، سواء أمنه الإمام أو غيره ، وإن كان غائبا ، لم يصح الأمان فيه إلا من الإمام أو نائبه بالولاية العامة ، وكذلك الذراري يفرق فيهم بين الحاضرين والغائبين ، قال : ولو قال : أمنتك في جميع بلاد الإسلام ، كان آمنا في جميعها ، سواء أمنه الإمام [ ص: 296 ] أو غيره ، وإن قال : أمنتك في بلد كذا ، كان آمنا فيه ، وفي الطريق إليه من دار الحرب لا غير ، وإن أطلق ، نظر إن أمنه الإمام ، كان آمنا في جميع بلاد الإسلام ، وإن أمنه والي الإقليم ، كان آمنا في محل ولايته ، وإن أمنه أحد الرعية ، اختص الأمان بالموضع الذي يسكنه المؤمن ، بلدة كانت أو قرية ، وبالطريق إليه من دار الحرب ، وإنما يكون آمنا في الطريق إذا اجتاز بقدر الحاجة ، قال : وإذا كان الأمان مقدرا بمدة ، فإن كان مخصوصا ببلد ، فله استيفاء المدة بالإقامة فيه ، وله الأمان بعدها إلى أن يرجع إلى مأمنه ، وإن كان عاما في جميع البلاد ، انقضى أمانه بمضي تلك المدة ، ولا أمان له بعدها للعود ، لأن ما يتصل من بلاد الإسلام بدار الحرب من محل أمانه ، فلا يحتاج إلى مدة الانتقال من موضع الأمان ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية