الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [2 ] الحمد لله رب العالمين

                                                                                                                                                                                                                                      " الحمد لله" أي الثناء بالجميل ، والمدح بالكمال ثابت لله دون سائر ما يعبد من دونه، ودون كل ما برأ من خلقه . واللام في "الحمد" للاستغراق أي استغراق جميع أجناس الحمد وثبوتها لله تعالى تعظيما وتمجيدا- كما في الحديث : « اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله» .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 7 ] قال الإمام ابن القيم في "طريق الهجرتين": الملك والحمد في حقه تعالى متلازمان. فكل ما شمله ملكه وقدرته شمله حمده ، فهو محمود في ملكه ، وله الملك والقدرة مع حمده ، فكما يستحيل خروج شيء من الموجودات عن ملكه وقدرته ، يستحيل خروجها عن حمده وحكمته ، ولهذا يحمد سبحانه نفسه عند خلقه وأمره لينبه عباده على أن مصدر خلقه وأمره عن حمده . فهو محمود على كل ما خلقه وأمر به ، حمد شكر وعبودية ، وحمد ثناء ومدح، ويجمعهما التبارك ، "فتبارك الله" يشمل ذلك كله ، ولهذا ذكر هذه الكلمة عقيب قوله : ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين فالحمد أوسع الصفات وأعم المدائح . والطرق إلى العلم به في غاية الكثرة ، والسبيل إلى اعتباره في ذرات العالم وجزئياته ، وتفاصيل الأمر والنهي واسعة جدا ، لأن جميع أسمائه ، تبارك وتعالى حمد ، وصفاته حمد ، وأفعاله حمد ، وأحكامه حمد ، وعدله حمد ، وانتقامه من أعدائه حمد ، وفضله في إحسانه إلى أوليائه حمد ، والخلق والأمر إنما قام بحمده ، ووجد بحمده ، وظهر بحمده ، وكان الغاية هي حمده ، فحمده سبب ذلك وغايته ومظهره وحامله ، فحمده روح كل شيء ، وقيام كل شيء بحمده ، وسريان حمده في الموجودات ، وظهور آثاره فيه أمر مشهود بالأبصار والبصائر -ثم قال- : وبالجملة فكل صفة علياء ، واسم حسن ، وثناء جميل ، وكل حمد ومدح وتسبيح وتنزيه وتقديس وجلال وإكرام فهو لله عز وجل على أكمل الوجوه وأتمها وأدومها ؛ وجميع ما يوصف به ، ويذكر به ، ويخبر عنه به فهو محامد له وثناء وتسبيح وتقديس، فسبحانه وبحمده لا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه . اهـ.

                                                                                                                                                                                                                                      " رب العالمين" الرب يطلق على السيد المطاع وعلى المصلح وعلى المالك -تقول : ربه يربه فهو رب كما تقول : نم عليه ينم فهو نم -فهو صفة مشبهة، ويجوز أن يكون [ ص: 8 ] مصدرا بمعنى التربية ، وهي : تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا ، وصف به الفاعل مبالغة كما وصف بالعدل ، والرب - باللام - لا يقال إلا لله عز وجل . وهو في غيره على التقييد بالإضافة - كرب الدار- ومنه قوله تعالى : ارجع إلى ربك إنه ربي أحسن مثواي

                                                                                                                                                                                                                                      و "العالمين" جمع عالم وهو : الخلق كله وكل صنف منه ، وإيثار صيغة الجمع لبيان شمول ربوبيته تعالى لجميع الأجناس ، والتعريف لاستغراق أفراد كل منها بأسرها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية