الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في مسائل منثورة تتعلق بالمناضلة والمسابقة

                                                                                                                                                                        لو كان أحد الراميين إذا أصاب ، أطال الكلام بالتبجح والافتخار وأضجر صاحبه ، أو عنفه إذا أخطأ ، منع منه ، ولو كلم أحدهما [ ص: 389 ] رجل ، قيل له : أجب جوابا وسطا ، ولا تطول ، ولا تحبس القوم ، ولو تعلل بعدما رمى صاحبه بمسح القوس والوتر ، وأخذ النبل بعد النبل والنظر فيه ، قيل له : ارم ، لا مستعجلا ولا متباطئا ، ولو شرطا أن تحسب لأحدهما الإصابة الواحدة الإصابتين ، أو يحط من إصاباته شيء ، أو أنه إن أخطأ رد عليه سهم أو سهمان ليعيد رميهما ، أو أن يكون في يد أحدهما من النبل أكثر مما في يد الآخر ، لم يجز ، لأن هذه المعاملة مبينة على التساوي ، ولا يجوز أن يشرط خاسق أحدهما خاسقين ، ولو كان الشرط الحوابي ، فشرطا أن يحسب الخاسق حابيين ، جاز ، نص عليه في " الأم " لأن الخاسق يختص بالإصابة والثبوت فجاز أن تجعل تلك الزيادة مقام حاب ، وقيل : فيهما جميعا قولان ، ولو تناضلا فرميا بعض الأرشاق ثم ملا ، فقال أحدهما للآخر : ارم ، فإن أصبت فقد نضلتني ، أو قال : أرمي أنا فإن أصبت هذه الواحدة فقد نضلتك ، لم يجز لأن الناضل من ساوى صاحبه في عدد الأرشاق وفضله في الإصابة ، ولو تناضلا ، أو تسابقا ، وأخرج السبق أحدهما ، فقال أجنبي : شاركني فيه ، فإن غنمت أخذت معك ما أخرجته ، وإن غرمت ، غرمت معك ، لم يجز ، وكذا لو أخرجاه ، وبينهما محلل ، فقال أجنبي ذلك لأحدهما . ولو عقد المناضلة في الصحة ، ودفع المال في مرض الموت ، فهو من رأس المال إن جعلناها إجارة ، وإن قلنا : جعالة ، فوجهان ، ولو ابتدأ العقد في المرض ، فيحتمل أن يحسب من الثلث ، ويحتمل أن يبنى على القولين ذكره في " البحر " .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح أو الصواب القطع بأنه من رأس المال في الصورتين ، سواء قلنا إجارة أو جعالة ، لأنه ليس بتبرع ولا محاباة فيه ، فإذا كان [ ص: 390 ] ما يصرفه في ملاذ شهواته من طعام وشراب ونكاح وغيره مما لا ضرورة له إليه ، ولا ندبه الشرع إليه محسوبا من رأس المال ، فالمسابقة التي ندب الشرع إليها ، ويحتاج إلى تعلمها أولى ، لكن هذا فيما إذا سابق بعوض المثل في العادة ، فإن زاد ، فالزيادة تبرع من الثلث . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وفي " البحر " أن الولي ليس له صرف مال الصبي في المسابقة والمناضلة ليتعلم ، وأن السبق الذي يلتزمه المتناضلان يجوز أن يكون عندهما ، ويجوز وضعه عند عدل يثقان به وهو أحوط وأبعد عن النزاع ، وأنهما لو تنازعا فقال أحدهما : يترك السبق عندنا ، وقال الآخر : بل عند عدل ، فإن كان دينا ، أجيب الأول ، وإن كان عينا ، فالثاني ، وأنه لو قال أحدهما : نضعه عند زيد ، وقال الآخر : عند عمرو ، اختار الحاكم أمينا ، وهل يتعين أحد الأمينين المتنازع فيهما أم له أن يختار غيرهما ؟ وجهان وأنه لا أجرة للأمين إلا إذا اطرد العرف بأجرة له فوجهان ، وفيه : أن المحلل ينبغي أن يجري فرسه بين فرسي المتسابقين ، فإن لم يتوسطهما ، وأجرى بجنب أحدهما ، جاز إن تراضيا به ، وأنه لو رضي أحدهما بعدوله عن الوسط ، ولم يرض الآخر ، لزمه التوسط ، وأنهما لو رضيا بترك توسطه وقال أحدهما : يكون عن اليمين ، وقال الآخر : عن اليسار ، لزم التوسط ، وأنه لو تنازع المتسابقان في اليمين واليسار ، أقرع ، قال الشافعي - رحمه الله - في " المختصر " : لا بأس أن يصلي متنكبا للقوس والقرن إلا أن يتحركا عليه حركة تشغله ، فأكرهه ويجزئه ، والتنكب : التقلد ، والقرن بفتح القاف والراء : هو الجعبة المشقوقة ، ولا بد من طهارة ذلك ، ولا [ ص: 391 ] يجلب على الفرس في السباق ، وهو أن يصيح به القوم ليزيد عدوه ، ولكن يركضان بتحريك اللجام والاستحثاث بالسوط ، وإذا وقف المتناضلان في الموقف ، فهل يحتاج من يرمي إلى استئذان صاحبه ؟ قال ابن كج عادة الرماة الاستئذان ، حتى إن من رمى بلا استئذان لا يحسب ما رماه ، أصاب أم أخطأ ، ويجب اتباع عرفهم فيه ، وقال ابن القطان : يحسب ، ولا حاجة إلى الاستئذان . وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية