الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
[ ص: 378 ] وأما ما جاء في العقوق وجرمه وعظيم قبحه وإثمه فمن ذلك ما رواه البخاري وغيره عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ، ومنعا وهات ، وكره لكم قيل وقال : وكثرة السؤال وإضاعة المال } .

وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي بكر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا ؟ قلنا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين ، وكان متكئا فجلس فقال : ألا وقول الزور وشهادة الزور ، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت } .

والبخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { الكبائر الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس } .

والبخاري ومسلم والترمذي عن أنس رضي الله عنه قال : { ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر فقال : الشرك بالله ، وعقوق الوالدين } ، الحديث .

{ وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كتبه إلى أهل اليمن وبعث به مع عمرو بن حزم وأن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة الإشراك بالله ، وقتل النفس المؤمنة بغير الحق ، والفرار في سبيل الله يوم الزحف ، وعقوق الوالدين ، ورمي المحصنة ، وتعلم السحر ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، } الحديث رواه ابن حبان في صحيحه .

وأخرج النسائي والبزار واللفظ له بإسنادين جيدين والحاكم وقال صحيح الإسناد عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، ومدمن الخمر ، والمنان عطاءه . وثلاثة لا يدخلون الجنة : العاق لوالديه ، والديوث ، والرجلة من النساء } . وروى ابن حبان في صحيحه شطره الأول . قال الحافظ المنذري : الديوث بتشديد الياء هو الذي يقر أهله على الزنا مع علمه بهم . والرجلة بفتح الراء وكسر الجيم هي المترجلة المتشبهة بالرجال . [ ص: 379 ] وأخرج الإمام أحمد واللفظ له والنسائي والبزار والحاكم وقال صحيح الإسناد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ثلاثة حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة : مدمن الخمر ، والعاق ، والديوث الذي يقر الخبث في أهله } .

وروى الطبراني في الصغير عن أبي هريرة يرفعه { يراح ريح الجنة من مسيرة خمسمائة عام ولا يجد ريحها منان بعمله ، ولا عاق ، ولا مدمن خمر } حديث ضعيف .

وروى ابن عاصم بإسناد عاصم بإسناد حسن عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعا { ثلاثة لا يقبل الله عز وجل منهم صرفا ولا عدلا : عاق ، ومنان ، ومكذب بقدر } .

والحاكم وقال صحيح الإسناد عن أبي هريرة مرفوعا { أربع حق على الله أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها : مدمن الخمر ، وآكل الربا ، وآكل مال اليتيم بغير حق ، والعاق لوالديه } .

والطبراني في الكبير بسند ضعيف عن ثوبان رضي الله عنه مرفوعا { ثلاثة لا ينفع معهن عمل : الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، والفرار من الزحف } .

وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من الكبائر شتم الرجل والديه . قالوا يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه } .

وفي رواية للشيخين { أن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه . قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه ؟ قال يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه } .

وأخرج الإمام أحمد والطبراني بإسنادين أحدهما صحيح عن عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه قال { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، وصليت الخمس ، وأديت زكاة مالي ، وصمت رمضان . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا ، ونصب [ ص: 380 ] أصبعيه ما لم يعق والديه } . ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما باختصار .

وأخرج الإمام أحمد وغيره عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال { أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات قال لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت وحرقت ، ولا تعقن والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك } الحديث .

وروي عن جابر رضي الله عنه قال { خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مجتمعون فقال يا معشر المسلمين اتقوا الله وصلوا أرحامكم فإنه ليس من ثواب أسرع من صلة الرحم ، إياكم والبغي فإنه ليس من عقوبة أسرع من عقوبة بغي ، إياكم وعقوبة الوالدين فإن ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام والله لا يجدها عاق ولا قاطع رحم ولا شيخ زان ولا جار إزاره خيلاء . إنما الكبرياء لله رب العالمين . والكذب كلمة إثم إلا ما نفعت به مؤمنا أو دفعت به عن دين . وأن في الجنة لسوقا ما يباع فيها ولا يشترى ليس فيها إلا الصور فمن أحب صورة من رجل أو امرأة دخل فيها } رواه الطبراني في الأوسط .

وفي مرفوع حديث أبي هريرة عند الطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد { ملعون من عق والديه } .

وفي مرفوع حديث ابن عباس عند ابن حبان في صحيحه { ولعن الله من سب والديه } .

وأخرج الحاكم والأصبهاني وقال الحاكم صحيح الإسناد عن أبي بكر رضي الله عنه مرفوعا { كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات } . وروى الطبراني بسند ضعيف عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال : { كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه آت فقال شاب يجود بنفسه قيل له قل لا إله إلا الله فلم يستطع ، فقال كان يصلي ؟ فقال نعم ، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهضنا معه فدخل على الشاب فقال له قل لا إله إلا الله ، فقال لا أستطيع ، فقال لم ؟ قال كان يعق والدته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 381 ] أحية والدته ؟ قالوا نعم ، قال ادعوها ، فدعوها فجاءت ، فقال هذا ابنك ؟ فقالت نعم . فقال لها أرأيت لو أججت نار ضخمة فقيل لك إن شفعت له خلينا عنه وإلا حرقناه بهذه النار أكنت تشفعين له ؟ قالت يا رسول الله إذن أشفع ، قال فأشهدي الله وأشهديني أنك قد رضيت عنه ، قالت اللهم إني أشهدك وأشهد رسولك أني قد رضيت عن ابني ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا غلام قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فقالها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي أنقذه بي من النار } ورواه الإمام أحمد مختصرا . { ويروى أن اسم الشاب علقمة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر أمه بالرضى عليه أبت ، فدعا بحزم الحطب والنار ، فقالت ما تصنع بذلك ؟ قال أحرق ولدك علقمة ، فرضيت عليه } ، أو كما ورد .

وروى الأصبهاني وغيره عن العوام بن حوشب قال نزلت مرة حيا وإلى جانب ذلك الحي مقبرة ، فلما كان بعد العصر انشقت منها قبر فخرج منه رجل رأسه رأس حمار وجسده جسد إنسان فنهق ثلاث نهقات ثم انطبق عليه القبر فإذا عجوز تغزل شعرا أو صوفا ، فقالت امرأة ترى تلك العجوز ؟ قلت مالها ؟ قالت تلك أم هذا . قلت وما كان قصته ؟ قالت كان يشرب الخمر فإذا راح تقول له أمه يا بني اتق الله إلى متى تشرب هذا الخمر ؟ فيقول لها أنت تنهقين كما ينهق الحمار . قالت فمات بعد العصر . قالت فهو ينشق عنه القبر بعد العصر كل يوم فينهق ثلاث نهقات ثم ينطبق عليه القبر . قال الأصبهاني حدث به أبو العباس الأصم إملاء بنيسابور بمشهد من الحافظ فلم ينكروه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية