الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في مسائل منثورة تتعلق بكتاب العتق ، من الولاء ، وغيره .

                                                                                                                                                                        شخصان كل منهما مولى صاحبه من فوق ومن أسفل ، بأن أعتق عبدا ، فأعتق أبا المعتق أختان لأبوين ، أعتقهما رجل ، فاشترتا أباهما ، [ ص: 183 ] فلكل منهما نصف ولاء أبيها ، ولا ولاء لأحدهما على الأخرى ; لأن عليهما ولاء مباشرة .

                                                                                                                                                                        وفي فتاوى القفال : إذا اشترى مكاتب بعض أبيه ، عتق نصفه ، ولا يقوم عليه ; لأنه لم يعتق باختياره ، بل عتق ضمنا ، وأنه إذا قال لمن له عبد مستأجر : أعتقه عني على كذا ، فأعتقه ، نفذ قطعا ، بخلاف البيع ، لقوة العتق ، وكذا يجوز في المغصوب والغائب إذا علم حياته . وفي فتاوى القاضي حسين : إذا ادعى عبد على سيده العتق عند الحاكم ، فحلفه فلما أتم يمينه ، قال : قم يا حر ، على وجه السخرية ، حكم عليه بالحرية ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة جدهن جد ، وهزلهن جد " ومنها العتاق . وأنه لو كانت جارية حاملا ، والحمل مضغة ، فقال : أعتقت مضغة هذه الجارية ، كان لغوا ; لأن إعتاق ما لم ينفخ فيه الروح لغو . ولو قال : مضغة هذه الجارية حر ، فهو إقرار بأن الولد انعقد حرا ، وتصير الأم به أم ولد .

                                                                                                                                                                        قلت : ينبغي أن لا تصير حتى يقر بوطئها ; لأنه يحتمل أنه حر من وطء أجنبي بشبهة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأنه لو قال لعبده : لو أخذك متغلب ، فقل : أنا حر ، لا يعتق ، بل هو أمر بكذب ، وكان القاضي يلقن عبيده بذلك . وأنه لو قال لعبده : أعتقك الله ، أو الله أعتقك ، فقيل : يفرق بينهما ; لأن الأول دعاء ، والثاني خبر .

                                                                                                                                                                        قال القاضي : وعندي لا يعتق فيهما . وقال العبادي : يعتق فيهما . وفي الزيادات لأبي عاصم العبادي رحمه الله : أنه إذا قال : من بشرني من عبيدي بقدوم زيد ، فهو حر ، فبعث بعض عبيده عبدا آخر ليبشره به ، فجاء وقال : عبدك فلان يبشرك بقدومه ، [ ص: 184 ] وأرسلني لأخبرك ، فالمبشر المرسل دون الرسول . وأنه لو قال : إن اشتريت عبدين في صفقة ، فلله علي إعتاقهما ، فاشترى ثلاثة صفقة ، لزمه إعتاق اثنين ، لوجود الصفة . ولو ولدت الزانية ، فملك الزاني بها ذلك الولد ، لم يعتق عليه ، لانتفاء نسبه . وفي فروع حكاها الروياني عن والده وغيره قال لعبده : أنت حر مثل هذا العبد ، وأشار إلى عبد آخر ، يحتمل أن لا يعتق لعدم حرية المشبه به ، ويحمل على حرية الخلق .

                                                                                                                                                                        قلت : ينبغي أن يعتق . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأنه لو قال : أنت حر مثل هذا ، ولم يقل : هذا العبد ، يحتمل أن يعتقا ، والأوضح أنهما لا يعتقان .

                                                                                                                                                                        قلت : الصواب هنا عتقهما . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأنه لو قال لغيره : أنت تعلم أن هذا العبد الذي في يدي حر ، حكم بعتقه . ولو قال : تظن أنه حر ، لم يحكم بعتقه ; لأنه لو لم يكن حرا لم يكن المقول له عالما بحريته ، وقد اعترف بعلمه ، والظن بخلافه . ولو قال : ترى أنه حر ، احتمل أن لا يقع ، وأن يقع ، والرؤية بمعنى العلم .

                                                                                                                                                                        قلت : الصواب أنه لا يعتق . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأنه لو وكل رجلا في عتق عبد ، فأعتق الوكيل نصفه ، فهل يعتق نصفه فقط ، أم يعتق ويسري إلى باقيه ، أم لا يعتق منه شيء لمخالفته ؟ فيه أوجه ، أصحها : الأول . وفي جمع الجوامع للروياني أنه لو كان عبد بين شريكين ، فقال رجل لأحدهما : اعتق نصيبك عني بكذا ، فأعتقه عنه ، فولاؤه للآمر ، ويقوم نصيب الشريك على المعتق ، [ ص: 185 ] دون الآمر ; لأنه أعتقه لغرض نفسه ، وهو العوض الذي حصل له . ولو قال أحد الشريكين للآخر : أعتق نصيبك عني بكذا ، فأعتقه عنه ، فولاؤه للآمر ، ويقوم نصيب الآمر على المعتق ، حكاه عن القاضي الطبري .

                                                                                                                                                                        قلت : الصواب في الصورتين أنه لا يقوم عليه ; لأنه لم يعتق عنه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية