الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الثاني لو رجع عن التدبير باللفظ ، كقوله : رجعت عنه ، أو فسخته ، أو أبطلته ، أو رفعته ، أو نقضته ، فإن قلنا : وصية ، صح الرجوع ، وإلا فلا . وسواء التدبير المطلق والمقيد . وقيل : يختص الخلاف بالمطلق ، ويقطع في المقيد بمنع الرجوع ، والمذهب الأول . ولو قال : أعتقوا فلانا عني إذا مت ، جاز الرجوع باللفظ كسائر الوصايا . ولو ضم إلى الموت صفة أخرى ، بأن قال : إذا مت ، فدخلت الدار ، فأنت حر ، لا يجوز الرجوع باللفظ قطعا ، وإنما الخلاف في التدبير .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا وهب المدبر ولم يقبضه ، إن قلنا : التدبير وصية ، حصل الرجوع ، وإن قلنا : تعليق ، لم يحصل على الصحيح ، وإن اتصل بها القبض ، وقلنا : يملك بالقبض ، انقطع التدبير ، وإن قلنا : يتبين الملك من حين الهبة ، قال الإمام : ففي انقطاع التدبير من حين الهبة تردد ، وكذا لو باع بشرط الخيار ، وقلنا : يزيل الملك ، فهل يبطل التدبير قبل لزوم البيع ؟ فيه تردد ، والذي أطلقه البغوي أن البيع بشرط الخيار يبطل التدبير على القولين . ولو باع نصف المدبر ، أو وهب وأقبض ، بطل التدبير في النصف المبيع ، أو الموهوب وبقي في الباقي ، وهل يبطل التدبير في الرهن ؟ قيل : يبطل ، وقيل : لا ، والمذهب قولان بناء على أنه وصية أو تعليق ؟ ومجرد الإيجاب في الهبة والرهن ، إن جعلناه وصية ، كان على الخلاف في أنه رجوع في الوصية ، وإن جعلناه تعليقا ، فلا أثر له ، ولا يبطل التدبير بالاستخدام والتزويج بلا خلاف ، وإذا جعلناه [ ص: 196 ] وصية ، بطل بالعرض على البيع . وسائر ما ذكرناه في باب الوصية ، لكن الوطء ليس رجوعا عن التدبير ، وإن جعلناه وصية ، سواء عزل أم لا ، بخلاف الوصية ، فإن استولدها ، فالصحيح الذي قطع به الجمهور بطلان التدبير ; لأن الاستيلاد أقوى ، فيرتفع به الأضعف ، كما يرتفع النكاح بملك اليمين ، ولهذا لو دبر مستولدته ، لم يصح ; لأنها تستحق العتق بالموت بجهة أقوى من التدبير ، وقيل : لا يبطل التدبير ، ويكون لعتقها بالموت سببان . وقيل : لا يبطل ، بل يدخل في الاستيلاد ، كالحدث في الجنابة ، ولو كاتب المدبر ، ففي ارتفاع التدبير وجهان ، بناء على أنه وصية ، أم تعليق . إن قلنا : وصية ، ارتفع ، وإلا فلا . فيكون مدبرا مكاتبا ، كما لو دبر مكاتبا ، فإن أدى النجوم ، عتق بالكتابة ، وإن مات السيد قبل الأداء ، عتق بالتدبير ، فإن لم يحتمله الثلث ، عتق قدر الثلث ، وبقيت الكتابة في الباقي ، فإذا أدى قسطه ، عتق ، وهذا نص الشافعي رحمه الله وبه قطع الشيخ أبو حامد وجماعة ، وقال القاضي أبو حامد : يسأل عن كتابته ، فإذا أراد بها الرجوع عن التدبير ، ففي ارتفاعه القولان ، وإلا ، فهو مدبر مكاتب قطعا . وخرج الإمام على الخلاف في الكتابة ، ما لو علق عتق المدبر بصفة ; لأنه لو أوصى به ثم علق عتقه بصفة ، كان رجوعا ، وقطع البغوي بأنه يصح التعليق بالصفة ، ويبقى التدبير بحاله ، كما لو دبر المعلق عتقه بصفة تجوز ، ثم إن وجدت الصفة قبل الموت ، عتق ، وإن مات قبلها ، عتق بالتدبير .

                                                                                                                                                                        فروع

                                                                                                                                                                        قال : رجعت عن التدبير في نصفه أو ربعه ، بقي التدبير في جميعه ، [ ص: 197 ] إن قلنا : لا يكفي الرجوع باللفظ ، وإلا فيبقى في باقيه فقط ، نص في " الأم " أنه إذا دبر ، ثم خرس ، فإن لم يكن له إشارة مفهومة ، ولا كتابة ، فلا مطلع على رجوعه ، وإن كانت له إشارة أو كتابة ، فأشار بالبيع ونحوه ، ارتفع التدبير ، وإن أشار بنفس الرجوع ، فعلى الخلاف .

                                                                                                                                                                        ولو دبر مكاتبا ، صح ، فإن أدى النجوم قبل موت السيد ، عتق بالكتابة وبطل التدبير ، ولو عجز نفسه . أو عجزه سيده ، بطلت الكتابة ، وبقي التدبير ، ولو مات السيد : قبل الأداء والتعجيز ، عتق بالتدبير إن احتمله الثلث . قال الشيخ أبو حامد : وتبطل الكتابة . قال ابن الصباغ : وعندي أنه يتبعه ولده وكسبه ، كما لو أعتق السيد مكاتبه قبل الأداء ، فكما لا يملك إبطال الكتابة بالإعتاق ، فكذا بالتدبير . قال : ويحتمل أن يريد بالبطلان زوال العقد دون سقوط أحكامه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية