الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 574 ]

                وكتأويلهم : أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل على الأمة ، ثم صدهم : فلها المهر بما استحل من فرجها ، إذ مهر الأمة لسيدها ، لا لها فتأولوه على المكاتبة ، وهو تعسف ، إذ هذا عام في غاية القوة ، فلا يؤثر فيه تأويل ضعيف .

                التالي السابق


                قوله : " وكتأويلهم : أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل على الأمة " ، إلى آخره ، أي : وكتأويل الحنفية قوله عليه السلام : أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل أي : أيضا من أمثلة دفع الاحتمال المرجوح بقرائن الظاهر ، وذلك أن الحنفية لما اعتقدوا أن المرأة لها أن تزوج نفسها بغير إذن وليها ، لأنه عقد على بعض منافعها ، فاستقلت به ، كإجارة نفسها ، وإن كان الحديث المذكور صريحا في اشتراط إذن وليها ، وأنه لا يصح بدونه ، احتاجوا إلى دفعة عنهم بالتأويل ، فحملوه على الأمة ، لأنها مملوكة لسيدها ، فلا يجوز أن تتصرف في نفسها بغير إذنه ، وليست الحرة مرادة من الحديث " ثم صدهم " عن إطلاق هذا التأويل قوله عليه السلام في تمام الحديث : فإن دخل بها ، فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإنه أضاف المهر إليها بلام التمليك ، فيقتضي أنه ملكها ، والأمة لا تملك مهرها ، بل هو ملك لسيدها ، فخصصوا التأويل ، وحملوه على المكاتبة ، لأن فيها شوبا من الرق ، فلا تستقل بتزويج نفسها ، كالأمة [ ص: 575 ] القن ، وشوبا من الحرة ، فيكون مهرها لها كالحرة .

                قوله : " وهو " ، أي : هذا التأويل ، " تعسف " ، وهو سلوك غير الطريق المعروف ، لأن النص " عام في غاية القوة ، فلا يؤثر فيه هذا التأويل الضعيف " وبيان قوة عموم النص المذكور من وجوه :

                أحدها : أنه صدره بلفظة : أي ، وهي من ألفاظ الشرط .

                الثاني : أنه أكدها بما في قوله : " أيما امرأة " وهي من مؤكدات العموم وغيره .

                الثالث : أنه رتب بطلان النكاح على هذا الشرط المفيد للعموم في معرض الخبر ، وقرائح ذوي الفصاحة لا تسمح في العموم بأبلغ من هذه العبارة ، ولا أجزل من هذا الكلام .

                وأما ضعف تأويلهم ، فإنه تخصيص بعد تخصيص ، لأنهم خصوا العموم بالأمة ، فقصروه عليها ، ثم قصروا الأمة على المكاتبة ، وهي صورة نادرة بالنسبة إلى هذا العموم المؤكد ، وإطلاق مثل هذا العموم ، وإرادة مثل هذه الصورة النادرة يعد عند الفصحاء إلغازا في الكلام ، وهذرا من القول ، بل لو قال المتكلم بمثل هذا العموم : لم أرد المكاتبة ، ولم تخطر ببالي ، لم يستنكر ذلك منه لقلتها وندورها بالنسبة إلى مدلول صيغة العموم ، وهو جميع النساء ، فما يبلغ من القلة والندرة [ ص: 576 ] إلى حيث لا يخطر عند التلفظ بالكلم ببال المتكلم ، كيف يجوز قصر العموم عليه ، وإلغاء أضعاف أضعافه من مدلوله ؟




                الخدمات العلمية