الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر

                                                                                                                834 حدثني حرملة بن يحيى التجيبي حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو وهو ابن الحارث عن بكير عن كريب مولى ابن عباس أن عبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن أزهر والمسور بن مخرمة أرسلوه إلى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا اقرأ عليها السلام منا جميعا وسلها عن الركعتين بعد العصر وقل إنا أخبرنا أنك تصلينهما وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما قال ابن عباس وكنت أضرب مع عمر بن الخطاب الناس عليها قال كريب فدخلت عليها وبلغتها ما أرسلوني به فقالت سل أم سلمة فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة فقالت أم سلمة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما ثم رأيته يصليهما أما حين صلاهما فإنه صلى العصر ثم دخل وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما فأرسلت إليه الجارية فقلت قومي بجنبه فقولي له تقول أم سلمة يا رسول الله إني أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما فإن أشار بيده فاستأخري عنه قال ففعلت الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه فلما انصرف قال يا بنت أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( قال ابن عباس : وكنت أضرب مع عمر بن الخطاب الناس عليها ) هكذا وقع في بعض الأصول ( أضرب الناس عليها ) وفي بعض ( أصرف الناس عنها ) وكلاهما صحيح ولا منافاة بينهما ، وكان يضربهم عليها في وقت ويصرفهم عنها في وقت من غير ضرب ، أو يصرفهم مع الضرب ، ولعله كان يضرب من بلغه النهي ، ويصرف من لم يبلغه من غير ضرب . وقد جاء في غير مسلم أنه كان يضرب عليها بالدرة ، وفيه احتياط الإمام لرعيته ومنعهم من البدع والمنهيات الشرعية وتعزيرهم عليهما .

                                                                                                                [ ص: 438 ] قوله : ( قال كريب : فدخلت عليها وبلغتها ما أرسلوني به فقالت : سل أم سلمة فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها فردوني إلى أم سلمة ) هذا فيه أنه يستحب للعالم إذا طلب منه تحقيق أمر مهم ويعلم أن غيره أعلم به أو أعرف بأصله أن يرشد إليه إذا أمكنه . وفيه الاعتراف لأهل الفضل بمزيتهم . وفيه إشارة إلى أدب الرسول في حاجته ، وأنه لا يستقل فيها بتصرف لم يؤذن له فيه ، ولهذا لم يستقل كريب بالذهاب إلى أم سلمة ؛ لأنهم إنما أرسلوه إلى عائشة ، فلما أرشدته عائشة إلى أم سلمة وكان رسولا للجماعة لم يستقل بالذهاب حتى رجع إليهم فأخبرهم فأرسلوه إليها .

                                                                                                                قولها : ( وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار ) قد سبق مرات أن بني حرام بالراء ، وأن حراما في الأنصار وحزاما بالزاي في قريش .

                                                                                                                قولها : ( فأرسلت إليه الجارية ) فيه قبول خبر الواحد والمرأة مع القدرة على اليقين بالسماع من لفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                قولها : ( فقولي له تقول أم سلمة ) إنما قالت عن نفسها : تقول أم سلمة فكنت نفسها ، ولم تقل هند باسمها ؛ لأنها معروفة بكنيتها ، ولا بأس بذكر الإنسان نفسه بالكنية ، إذا لم يعرف إلا بها أو اشتهر بها بحيث لا يعرف غالبا إلا بها ، وكنيت بأبيها سلمة بن أبي سلمة وكان صحابيا ، وقد ذكرت أحواله في ترجمتها من تهذيب الأسماء .

                                                                                                                [ ص: 439 ] قولها : ( إني أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما ) معنى : ( أسمعك ) سمعتك في الماضي ، وهو من إطلاق لفظ المضارع لإرادة الماضي كقوله تعالى : قد نرى تقلب وجهك وفي هذا الكلام أنه ينبغي للتابع إذا رأى من المتبوع شيئا يخالف المعروف من طريقته والمعتاد من حاله أن يسأله بلطف عنه ، فإن كان ناسيا رجع عنه ، وإن كان عامدا وله معنى مخصص عرفه التابع واستفاده ، وإن كان مخصوصا بحال يعلمها ولم يتجاوزها . وفيه مع هذه الفوائد فائدة أخرى وهي أنه بالسؤال يسلم من إرسال الظن السيئ بتعارض الأفعال أو الأقوال وعدم الارتباط بطريق واحد .

                                                                                                                قولها : ( فأشار بيده ) فيه أن إشارة المصلي بيده ونحوها من الأفعال الخفيفة لا تبطل الصلاة .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم : ( إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان ) فيه فوائد منها إثبات سنة الظهر بعدها ، ومنها : أن السنن الراتبة إذا فاتت يستحب قضاؤها ، وهو الصحيح عندنا ، ومنها أن الصلاة التي لها سبب لا تكره في وقت النهي ، وإنما يكره ما لا سبب لها .

                                                                                                                وهذا الحديث هو عمدة أصحابنا في المسألة وليس لنا أصح دلالة منه ، ودلالته ظاهرة فإن قيل : فقد داوم النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها ، ولا يقولون بهذا ، قلنا : لأصحابنا في هذا وجهان حكاهما المتولي وغيره أحدهما القول به ، فمن دأبه سنة راتبة فقضاها في وقت النهي كان له أن يداوم على صلاة مثلها في ذلك الوقت .

                                                                                                                والثاني : وهو الأصح الأشهر ليس له ذلك ، وهذا من خصائص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتحصل الدلالة بفعله - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الأول ، فإن قيل : هذا خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا : الأصل الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - وعدم التخصيص حتى يقوم دليل به ، بل هنا دلالة ظاهرة على عدم التخصيص وهي أنه - صلى الله عليه وسلم - بين أنها سنة الظهر ولم يقل هذا الفعل مختص بي ، وسكوته ظاهر في جواز الاقتداء .

                                                                                                                ومن فوائده أن صلاة النهار مثنى مثنى كصلاة الليل ، وهو مذهبنا ، ومذهب الجمهور ، وقد سبقت المسألة . ومنها : أنه إذا تعارضت المصالح والمهمات بدئ بأهمها ، ولهذا بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - بحديث القوم في الإسلام ، وترك سنة الظهر حتى فات وقتها ؛ ( لأن الاشتغال بإرشادهم وهدايتهم وقومهم إلى الإسلام أهم .




                                                                                                                الخدمات العلمية