الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                    15 - ( فصل )

                    ومن محاسن الفراسة : أن الرشيد رأى في داره حزمة خيزران ، فقال لوزيره الفضل بن الربيع : ما هذه ؟ قال عروق الرماح يا أمير المؤمنين ، ولم يقل الخيزران لموافقة اسم أمه .

                    ونظير هذا : أن بعض الخلفاء سأل ولده - وفي يده مسواك - ما جمع هذا ؟ قال : محاسنك يا أمير المؤمنين . وهذا من الفراسة في تحسين اللفظ .

                    وهو باب عظيم ، اعتنى به الأكابر والعلماء . وله شواهد كثيرة في السنة وهو من خاصية العقل والفطنة .

                    فقد روينا عن عمر رضي الله عنه : أنه خرج يعس المدينة بالليل ، فرأى نارا موقدة في خباء ، فوقف وقال : " يا أهل الضوء " . وكره أن يقول : يا أهل النار . وسأل رجلا عن شيء : " هل كان ؟ " قال : لا . أطال الله بقاءك ، فقال : " قد علمتم فلم تتعلموا ، هلا قلت : لا ، وأطال الله بقاءك ؟ " .

                    وسئل العباس : أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : هو أكبر مني ، وأنا ولدت قبله . وسئل عن ذلك قباث بن أشيم ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني ، وأنا أسن منه .

                    وكان لبعض القضاة جليس أعمى ، وكان إذا أراد أن ينهض يقول : يا غلام ، اذهب مع أبي محمد ، ولا يقول : خذ بيده ، قال : والله ما أخل بها مرة .

                    ومن ألطف ما يحكى في ذلك : أن بعض الخلفاء سأل رجلا عن اسمه ؟ فقال : سعد يا أمير المؤمنين فقال : أي السعود أنت ؟ قال : سعد السعود لك يا أمير المؤمنين ، وسعد الذابح لأعدائك ، وسعد بلع على سماطك ، وسعد الأخبية لسرك ، فأعجبه ذلك . ويشبه هذا : أن معن بن زائدة دخل على المنصور ، فقارب في خطوه . فقال له المنصور : كبرت [ ص: 41 ] سنك يا معن ، قال : في طاعتك يا أمير المؤمنين . قال : إنك لجلد . قال : على أعدائك ، قال : وإن فيك لبقية ، قال : هي لك .

                    وأصل هذا الباب : قوله تعالى : { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن . إن الشيطان ينزغ بينهم } فالشيطان ينزغ بينهم إذا كلم بعضهم بعضا بغير التي هي أحسن ، فرب حرب وقودها جثث وهام ، أهاجها القبيح من الكلام .

                    وفي " الصحيحين " من حديث سهل بن حنيف ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يقولن أحدكم : خبثت نفسي ، ولكن ليقل : لقست نفسي } وخبثت ولقست وغثت متقاربة المعنى .

                    فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظ " الخبث " لبشاعته ، وأرشدهم إلى العدول إلى لفظ هو أحسن منه ، وإن كان بمعناه تعليما للأدب في المنطق ، وإرشادا إلى استعمال الحسن ، وهجر القبيح من الأقوال ، كما أرشدهم إلى ذلك في الأخلاق والأفعال .

                    التالي السابق


                    الخدمات العلمية