الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب في تحسين كفن الميت

                                                                                                                943 حدثنا هارون بن عبد الله وحجاج بن الشاعر قالا حدثنا حجاج بن محمد قال قال ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل وقبر ليلا فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل وقبر ليلا ؛ فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه ، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه ) قوله : ( غير ) طائل أي : حقير غير كامل الستر . وقوله صلى الله عليه وسلم : ( حتى يصلى عليه ) هو بفتح اللام .

                                                                                                                وأما النهي عن القبر ليلا حتى يصلى عليه فقيل : سببه أن الدفن نهارا يحضره كثيرون من الناس ويصلون عليه ، ولا يحضره في الليل إلا أفراد . وقيل : لأنهم كانوا يفعلون ذلك بالليل لرداءة الكفن فلا يبين في الليل ، ويؤيده أول الحديث وآخره ، قال القاضي : العلتان صحيحتان ، قال : والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قصدهما معا ، قال : وقد قيل هذا .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك ) دليل أنه لا بأس به في وقت الضرورة . وقد اختلف العلماء في الدفن في الليل فكرهه الحسن البصري إلا لضرورة ، وهذا الحديث مما يستدل له به ، وقال جماهير العلماء من السلف والخلف : لا يكره ، واستدلوا بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وجماعة من السلف دفنوا ليلا من غير إنكار ، وبحديث المرأة السوداء ، والرجل الذي كان يقم المسجد ، فتوفي بالليل فدفنوه ليلا ، وسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا : توفي ليلا فدفناه في الليل ، فقال : " ألا آذنتموني ؟ " قالوا : كانت ظلمة ، ولم ينكر عليهم . وأجابوا عن هذا الحديث أن النهي كان لترك الصلاة ، ولم ينه عن مجرد الدفن بالليل ، وإنما نهى لترك الصلاة أو لقلة المصلين أو عن إساءة الكفن أو عن المجموع كما سبق .

                                                                                                                وأما الدفن في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها والصلاة على الميت فيها . فاختلف العلماء فيها ، فقال الشافعي وأصحابه : لا يكرهان إلا أن يتعمد التأخير إلى ذلك الوقت لغير سبب ، به قال ابن عبد الحكم المالكي ، وقال مالك : لا يصلى عليها بعد الإسفار والاصفرار حتى تطلع الشمس أو تغيب إلا أن يخشى عليها . وقال أبو حنيفة : عند الطلوع [ ص: 13 ] والغروب ونصف النهار . وكره الليث الصلاة عليها في جميع أوقات النهي .

                                                                                                                وفي الحديث : الأمر بإحسان الكفن . قال العلماء : وليس المراد بإحسانه السرف فيه والمغالاة ونفاسته ، وإنما المراد : نظافته ونقاؤه وكثافته وستره وتوسطه ، وكونه من جنس لباسه في الحياة غالبا ، لا أفخر منه ولا أحقر .

                                                                                                                وقوله : ( فليحسن كفنه ) ضبطوه بوجهين ، فتح الحاء وإسكانها ، وكلاهما صحيح . قال القاضي : والفتح أصوب وأظهر وأقرب إلى لفظ الحديث .




                                                                                                                الخدمات العلمية