الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ تصغير ذا وتا وجمعهما ]

                                                          تصغير ذا وتا وجمعهما : أهل الكوفة يسمون ذا وتا وتلك وذلك وهذا وهذه وهؤلاء والذي والذين والتي واللاتي - حروف المثل ، وأهل البصرة يسمونها حروف الإشارة والأسماء المبهمة ، فقالوا في تصغير هذا : ذيا ، مثل تصغير ذا ؛ لأن ها تنبيه وذا إشارة وصفة ومثال لاسم من تشير إليه .

                                                          فقالوا : وتصغير ذلك ذيا ، وإن شئت ذيالك ، فمن قال : ذيا زعم أن اللام ليست بأصلية لأن معنى ذلك ذاك ، والكاف كاف المخاطب ، ومن قال : ذيالك صغر على اللفظ ، وتصغير تلك تيا وتيالك ، وتصغير هذه تيا ، وتصغير أولئك أوليا ، وتصغير هؤلاء هؤليا .

                                                          قال : وتصغير اللاتي مثل تصغير التي وهي اللتيا ، وتصغير اللاتي اللويا ، وتصغير الذي اللذيا ، والذين اللذيون .

                                                          وقال أبو العباس أحمد بن يحيى : يقال للجماعة التي واحدتها مؤنثة : اللاتي واللائي ، والجماعة التي واحدها مذكر : اللائي ، ولا يقال : اللاتي إلا للتي واحدتها مؤنثة ، يقال : هن اللاتي فعلن كذا وكذا واللائي فعلن كذا ، وهم الرجال اللائي واللاءون فعلوا كذا وكذا ؛ وأنشد الفراء :

                                                          هم اللاءون فكوا الغل عني بمرو الشاهجان وهم جناحي



                                                          وفي التنزيل العزيز : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم وقال في موضع آخر : واللائي لم يحضن ، ومنه قول الشاعر :

                                                          من اللاء لم يحججن يبغين حسبة     ولكن ليقتلن البريء المغفلا



                                                          وقال العجاج :

                                                          بعد اللتيا واللتيا والتي     إذا علتها أنفس تردت



                                                          يقال منه : لقي منه اللتيا والتي إذا لقي منه الجهد والشدة ؛ أراد بعد عقبة من عقاب الموت منكرة ، إذا أشرفت عليها النفس تردت ، أي : هلكت ؛ وقبله :

                                                          إلى أمار وأمار مدتي     دافع عني بنقير موتتي
                                                          بعد اللتيا واللتيا والتي     إذا علتها أنفس تردت
                                                          فارتاح ربي وأراد رحمتي     ونعمة أتمها فتمت



                                                          وقال الليث : الذي تعريف لذ ولذي ، فلما قصرت قووا اللام بلام أخرى ، ومن العرب من يحذف الياء فيقول هذا اللذ فعل ، كذا بتسكين الذال ؛ وأنشد :


                                                          كاللذ تزبى زبية فاصطيدا



                                                          وللاثنين هذان اللذان ، وللجمع هؤلاء الذين ، قال : ومنهم من يقول : هذان اللذا ، فأما الذين أسكنوا الذال ، وحذفوا الياء التي بعدها فإنهم لما أدخلوا في الاسم لام المعرفة طرحوا الزيادة التي بعد الذال وأسكنت الذال ، فلما ثنوا حذفوا النون ، فأدخلوا على الاثنين لحذف النون ما أدخلوا على الواحد بإسكان الذال .

                                                          وكذلك الجمع ، فإن قال قائل : ألا قالوا اللذو في الجمع بالواو ؟ فقل : الصواب في القياس ذلك ولكن العرب اجتمعت على الذي بالياء ، والجر والنصب والرفع سواء ؛ وأنشد :


                                                          وإن الذي حانت بفلج دماؤهم     هم القول كل القوم يا أم خالد



                                                          وقال الأخطل :

                                                          أبني كليب إن عمي اللذا     قتلا الملوك وفككا الأغلالا



                                                          وكذلك يقولون : اللتا والتي ؛ وأنشد :

                                                          هما اللتا أقصدني سهماهما



                                                          وقال الخليل وسيبويه فيما رواه أبو إسحاق لهما ، إنهما قالا : الذين لا يظهر فيها الإعراب ، تقول في النصب والرفع والجر : أتاني الذين في [ ص: 8 ] الدار ، ورأيت الذين ، ومررت بالذين في الدار ، وكذلك الذي في الدار .

                                                          قالا : وإنما منعا الإعراب لأن الإعراب إنما يكون في أواخر الأسماء ، والذي والذين مبهمان لا يتمان إلا بصلاتهما فلذلك منعا الإعراب ، وأصل الذي لذ ، فاعلم ، على وزن عم .

                                                          فإن قال قائل : فما بالك تقول : أتاني اللذان في الدار ، ورأيت اللذين في الدار فتعرب ما لا يعرب في الواحد في تثنيته ، نحو هذان وهذين وأنت لا تعرب هذا ولا هؤلاء ؟

                                                          فالجواب في ذلك : أن جميع ما لا يعرب في الواحد مشبه بالحرف الذي جاء لمعنى ، فإن ثنيته فقد بطل شبه الحرف الذي جاء لمعنى لأن حروف المعاني لا تثنى .

                                                          فإن قال قائل : فلم منعته الإعراب في الجمع ؟

                                                          قلت : لأن الجمع ليس على حد التثنية كالواحد ، ألا ترى أنك تقول في جمع هذا هؤلاء يا فتى ؟

                                                          فجعلته اسما للجمع فتبنيه كما بنيت الواحد ، ومن جمع الذين على حد التثنية قال : جاءني اللذون في الدار ، ورأيت الذين في الدار ، وهذا لا ينبغي أن يقع لأن الجمع يستغنى فيه عن حد التثنية ، والتثنية ليس لها إلا ضرب واحد .

                                                          ثعلب عن ابن الأعرابي : الألى في معنى الذين ؛ وأنشد :

                                                          فإن الألى بالطف من آل هاشم



                                                          قال ابن الأنباري : قال ابن قتيبة في قوله عز وجل : مثلهم كمثل الذي استوقد نارا معناه : كمثل الذين استوقدوا نارا ، فالذي قد يأتي مؤديا عن الجمع في بعض المواضع ؛ واحتج بقوله :


                                                          إن الذي حانت بفلج دماؤهم



                                                          قال أبو بكر : احتجاجه على الآية بهذا البيت غلط لأن الذي في القرآن اسم واحد ربما أدى عن الجمع فلا واحد له ، والذي في البيت جمع واحده اللذ ، وتثنيته اللذا ، وجمعه الذي ، والعرب تقول : جاءني الذي تكلموا ، وواحد الذي اللذ ؛ وأنشد : .


                                                          يا رب عبس لا تبارك في أحد     في قائم منهم ولا فيمن قعد
                                                          إلا الذي قاموا بأطراف المسد

                                                          أراد الذين .

                                                          قال أبو بكر : والذي في القرآن واحد ليس له واحد ، والذي في البيت جمع له واحد ؛ وأنشد الفراء :


                                                          فكنت والأمر الذي قد كيدا     كاللذ تزبى زبية فاصطيدا



                                                          وقال الأخطل :

                                                          أبني كليب إن عمي اللذا     قتلا الملوك وفككا الأغلالا



                                                          قال : والذي يكون مؤديا عن الجمع وهو واحد لا واحد له في مثل قول الناس : أوصي بمالي للذي غزا وحج ؛ معناه : للغازين والحجاج .

                                                          وقال الله تعالى : ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن .

                                                          قال الفراء : معناه : تماما للمحسنين أي : تماما للذين أحسنوا ، يعني : أنه تمم كتبهم بكتابه ، ويجوز أن يكون المعنى تماما على ما أحسن أي : تماما للذي أحسنه من العلم وكتب الله القديمة ، قال : ومعنى قوله تعالى : كمثل الذي استوقد نارا .

                                                          أي : مثل هؤلاء المنافقين كمثل رجل كان في ظلمة يبصر من أجلها ما عن يمينه وشماله وورائه وبين يديه ، وأوقد نارا فأبصر بها ما حوله من قذى وأذى ، فبينا هو كذلك طفئت ناره فرجع إلى ظلمته الأولى ، فكذلك المنافقون كانوا في ظلمة الشرك ثم أسلموا فعرفوا الخير والشر بالإسلام ، كما عرف المستوقد لما طفئت ناره ورجع إلى أمره الأول . ‏

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية