الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال : الدرجة الثالثة : الصبر في البلاء ، بملاحظة حسن الجزاء ، وانتظار روح الفرج . وتهوين البلية بعد أيادي المنن . وبذكر سوالف النعم .

[ ص: 166 ] هذه ثلاثة أشياء تبعث المتلبس بها على الصبر في البلاء .

إحداها : ملاحظة حسن الجزاء . وعلى حسب ملاحظته والوثوق به ومطالعته يخفف حمل البلاء ، لشهود العوض ، وهذا كما يخف على كل متحمل مشقة عظيمة حملها ، لما يلاحظه من لذة عاقبتها وظفره بها . ولولا ذلك لتعطلت مصالح الدنيا والآخرة . وما أقدم أحد على تحمل مشقة عاجلة إلا لثمرة مؤجلة ، فالنفس مولعة بحب العاجل . وإنما خاصة العقل : تلمح العواقب ، ومطالعة الغايات .

وأجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم . وأن من رافق الراحة فارق الراحة . وحصل على المشقة وقت الراحة في دار الراحة ، فإن قدر التعب تكون الراحة .


على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكريم الكرائم     ويكبر في عين الصغير صغيرها
وتصغر في عين العظيم العظائم

والقصد : أن ملاحظة حسن العاقبة تعين على الصبر فيما تتحمله باختيارك وغير اختيارك .

والثاني انتظار روح الفرج

يعني راحته ونسيمه ولذته . فإن انتظاره ومطالعته وترقبه يخفف حمل المشقة . ولا سيما عند قوة الرجاء . أو القطع بالفرج . فإنه يجد في حشو البلاء من روح الفرج ونسيمه وراحته : ما هو من خفي الألطاف ، وما هو فرج معجل . وبه - وبغيره - يفهم معنى اسمه اللطيف .

والثالث : تهوين البلية بأمرين .

أحدهما : أن يعد نعم الله عليه وأياديه عنده . فإذا عجز عن عدها ، وأيس من حصرها ، هان عليه ما هو فيه من البلاء ورآه - بالنسبة إلى أيادي الله ونعمه - كقطرة من بحر .

الثاني : تذكر سوالف النعم التي أنعم الله بها عليه . فهذا يتعلق بالماضي . وتعداد أيادي المنن : يتعلق بالمستقبل . وأحدهما في الدنيا . والثاني يوم الجزاء .

[ ص: 167 ] ويحكى عن امرأة من العابدات أنها عثرت . فانقطعت إصبعها . فضحكت . فقال لها بعض من معها : أتضحكين ، وقد انقطعت إصبعك ؟ فقالت : أخاطبك على قدر عقلك . حلاوة أجرها أنستني مرارة ذكرها . إشارة إلى أن عقله لا يحتمل ما فوق هذا المقام . من ملاحظة المبتلي . ومشاهدة حسن اختياره لها في ذلك البلاء ، وتلذذها بالشكر له ، والرضا عنه ، ومقابلة ما جاء من قبله بالحمد والشكر . كما قيل :


لئن ساءني أن نلتني بمساءة     فقد سرني أني خطرت ببالكا

التالي السابق


الخدمات العلمية