الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3212 [ 1789 ] وعن البراء بن عازب قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمما مجلودا، فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقال: هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم، فدعا رجلا من علمائهم فقال: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك! نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه! فأمر به فرجم، فأنزل الله عز وجل: يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إلى قوله إن أوتيتم هذا فخذوه [المائدة: 41]. يقول: ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا، فأنزل الله تعالى: ومن لم يحكم بما أنـزل الله فأولئك هم الكافرون [المائدة: 44] ومن لم يحكم بما أنـزل الله فأولئك هم الظالمون [المائدة: 45] ومن لم يحكم بما أنـزل الله فأولئك هم الفاسقون [المائدة: 47] في الكفار كلها.

                                                                                              رواه مسلم (1700) وأبو داود (4448) والنسائي في الكبرى (7218) وابن ماجه (2558).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و(قوله تعالى: ومن لم يحكم بما أنـزل الله فأولئك هم الكافرون يحتج بظاهره من يكفر بالذنوب، وهم الخوارج ، ولا حجة لهم فيه; لأن هذه الآيات نزلت في اليهود المحرفين كلام الله تعالى، كما جاء في هذا الحديث، وهم كفار، فيشاركهم في حكمها من يشاركهم في سبب نزولها. وبيان هذا أن المسلم إذا علم حكم الله تعالى في قضية قطعا، ثم لم يحكم به; فإن كان عن جحد كان كافرا، لا يختلف في هذا. وإن كان لا عن جحد كان عاصيا مرتكب كبيرة; لأنه مصدق بأصل ذلك الحكم، وعالم بوجوب تنفيذه عليه، لكنه عصى بترك العمل به، [ ص: 118 ] وهكذا في كل ما يعلم من ضرورة الشرع حكمه، كالصلاة وغيرها من القواعد المعلومة. وهذا مذهب أهل السنة ، وقد تقدم ذلك في كتاب الإيمان; حيث بينا أن الكفر هو الجحد والتكذيب بأمر معلوم ضروري من الشرع، فما لم يكن كذلك فليس بكفر.

                                                                                              ومقصود هذا البحث: أن هذه الآيات المراد بها: أهل الكفر والعناد، وأنها كانت ألفاظها عامة، فقد خرج منها المسلمون; لأن ترك العمل بالحكم مع الإيمان بأصله هو دون الشرك، وقد قال تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء: 48 و 116] وترك الحكم بذلك ليس بشرك بالاتفاق، فيجوز أن يغفر، والكفر لا يغفر، فلا يكون ترك العمل بالحكم كفرا. ويعتضد هذا بالقاعدة المعلومة من الشرع المتقدمة.

                                                                                              والظلم والفسق في هاتين الآيتين المراد به: الكفر; لأن الكافر وضع الشيء في غير موضعه، وخرج عن الحق، فصدق على الكافر: أنه ظالم وفاسق، بل هو أحق بذينك الاسمين ممن ليس بكافر; لأن ظلمه أعظم الظلم، وفسقه أعظم الفسق. وقد تقدم في الإيمان بيان كفر دون كفر، وظلم دون ظلم.




                                                                                              الخدمات العلمية