الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المسألة الثانية من الأحكام

[ غسل الكفين ]

[ ص: 13 ] اختلف الفقهاء في غسل اليد قبل إدخالها في إناء الوضوء ، فذهب قوم إلى أنه من سنن الوضوء بإطلاق ، وإن تيقن طهارة اليد ، وهو مشهور مذهب مالك والشافعي . وقيل : إنه مستحب للشاك في طهارة يده ; وهو أيضا مروي عن مالك . وقيل : إن غسل اليد واجب على المنتبه من النوم ، وبه قال داود وأصحابه . وفرق قوم بين نوم الليل ونوم النهار ، فأوجبوا ذلك في نوم الليل ولم يوجبوه في نوم النهار ، وبه قال أحمد ، فتحصل في ذلك أربعة أقوال : قول : إنه سنة بإطلاق ، وقول : إنه استحباب للشاك ، وقول : إنه واجب على المنتبه من نوم ، وقول : إنه واجب على المنتبه من نوم الليل دون نوم النهار .

والسبب في اختلافهم في ذلك اختلافهم في مفهوم الثابت من حديث أبي هريرة أنه - عليه الصلاة والسلام - قال : " إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها الإناء ، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده " وفي بعض رواياته " فليغسلها ثلاثا " .

فمن لم ير بين الزيادة الواردة في هذا الحديث على ما في آية الوضوء معارضة ، وبين آية الوضوء - حمل لفظ الأمر ههنا على ظاهره من الوجوب ، وجعل ذلك فرضا من فروض الوضوء .

ومن فهم من هؤلاء من لفظ البيات نوم الليل أوجب ذلك من نوم الليل فقط ، ومن لم يفهم منه ذلك ، وإنما فهم منه النوم فقط أوجب ذلك على كل مستيقظ من النوم نهارا أو ليلا .

ومن رأى أن بين هذه الزيادة والآية تعارضا إذ كان ظاهر الآية المقصود منه حصر فروض الوضوء - كان وجه الجمع بينهما عنده أن يخرج لفظ الأمر عن ظاهره الذي هو الوجوب إلى الندب ، ومن تأكد عنده هذا الندب لمثابرته - عليه الصلاة والسلام - على ذلك ، قال : إنه من جنس السنن ، ومن لم يتأكد عنده هذا الندب قال إن ذلك من جنس المندوب المستحب ، وهؤلاء غسل اليد عندهم بهذه الحال إذا تيقنت طهارتها : ( أعني من يقول إن ذلك سنة ، ومن يقول إنه ندب ) .

ومن لم يفهم من هؤلاء من هذا الحديث علة توجب عنده أن يكون من باب الخاص أريد به العام ، كان ذلك عنده مندوبا للمستيقظ من النوم فقط ، ومن فهم منه علة الشك وجعله من باب الخاص أريد به العام كان ذلك عنده للشاك ; لأنه في معنى النائم ، والظاهر من هذا الحديث أنه لم يقصد به حكم اليد في الوضوء ، وإنما قصد به حكم الماء الذي يتوضأ به ، إذا كان الماء مشترطا فيه الطهارة ، وأما ما نقل من غسله - صلى الله عليه وسلم - يديه قبل إدخالهما في الإناء في أكثر أحيانه ، فيحتمل أن يكون من حكم اليد لا أن يكون غسلها في الابتداء من أفعال الوضوء ، ويحتمل أن يكون من حكم الماء ، ( أعني أن لا ينجس أو يقع فيه شك إن قلنا إن الشك مؤثر ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية