الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1479 حدثنا هارون بن سعيد الأيلي حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني سليمان يعني ابن بلال أخبرني يحيى أخبرني عبيد بن حنين أنه سمع عبد الله بن عباس يحدث قال مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له حتى خرج حاجا فخرجت معه فلما رجع فكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له فوقفت له حتى فرغ ثم سرت معه فقلت يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه فقال تلك حفصة وعائشة قال فقلت له والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك قال فلا تفعل ما ظننت أن عندي من علم فسلني عنه فإن كنت أعلمه أخبرتك قال وقال عمر والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرا حتى أنزل الله تعالى فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم قال فبينما أنا في أمر أأتمره إذ قالت لي امرأتي لو صنعت كذا وكذا فقلت لها وما لك أنت ولما هاهنا وما تكلفك في أمر أريده فقالت لي عجبا لك يا ابن الخطاب ما تريد أن تراجع أنت وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان قال عمر فآخذ ردائي ثم أخرج مكاني حتى أدخل على حفصة فقلت لها يا بنية إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان فقالت حفصة والله إنا لنراجعه فقلت تعلمين أني أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله يا بنية لا يغرنك هذه التي قد أعجبها حسنها وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها ثم خرجت حتى أدخل على أم سلمة لقرابتي منها فكلمتها فقالت لي أم سلمة عجبا لك يا ابن الخطاب قد دخلت في كل شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه قال فأخذتني أخذا كسرتني عن بعض ما كنت أجد فخرجت من عندها وكان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر ونحن حينئذ نتخوف ملكا من ملوك غسان ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا فقد امتلأت صدورنا منه فأتى صاحبي الأنصاري يدق الباب وقال افتح افتح فقلت جاء الغساني فقال أشد من ذلك اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه فقلت رغم أنف حفصة وعائشة ثم آخذ ثوبي فأخرج حتى جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربة له يرتقى إليها بعجلة وغلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسود على رأس الدرجة فقلت هذا عمر فأذن لي قال عمر فقصصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث فلما بلغت حديث أم سلمة تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف وإن عند رجليه قرظا مضبورا وعند رأسه أهبا معلقة فرأيت أثر الحصير في جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيت فقال ما يبكيك فقلت يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ترضى أن تكون لهما الدنيا ولك الآخرة وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرني يحيى بن سعيد عن عبيد بن حنين عن ابن عباس قال أقبلت مع عمر حتى إذا كنا بمر الظهران وساق الحديث بطوله كنحو حديث سليمان بن بلال غير أنه قال قلت شأن المرأتين قال حفصة وأم سلمة وزاد فيه وأتيت الحجر فإذا في كل بيت بكاء وزاد أيضا وكان آلى منهن شهرا فلما كان تسعا وعشرين نزل إليهن [ ص: 68 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 68 ] قوله : ( فبينما أنا في أمر أأتمره ) معناه أشاور فيه نفسي وأفكر ومعنى بينما وبينا أي بين أوقات ائتماري وكذا ما أشبهه وسبق بيانه .

                                                                                                                قوله : ( حتى أدخل على حفصة ) هو بفتح اللام .

                                                                                                                قوله : ( وكان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر ) في هذا استحباب حضور مجالس العلم واستحباب التناوب في حضور العلم إذا لم يتيسر لكل واحد الحضور بنفسه .

                                                                                                                [ ص: 69 ] قوله : ( من ملوك غسان ) الأشهر ترك صرف ( غسان ) وقيل : يصرف وسبق إيضاحه في أول الكتاب .

                                                                                                                قوله : ( فقلت : جاء الغساني . فقال أشد من ذلك اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه ) فيه ما كانت الصحابة رضي الله عنهم عليه من الاهتمام بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم والقلق التام لما يقلقه أو يغضبه .

                                                                                                                قوله : ( رغم أنف حفصة ) هو بفتح الغين وكسرها يقال رغم يرغم رغما ورغما ورغما بفتح الراء وضمها وكسرها أي لصق بالرغام وهو التراب هذا هو الأصل ثم استعمل في كل من عجز من الانتصاف وفي الذل والانقياد كرها .

                                                                                                                قوله : ( فآخذ ثوبي فأخرج حتى جئت ) فيه استحباب التجمل بالثوب والعمامة ونحوهما عند لقاء الأئمة والكبار احتراما لهم

                                                                                                                قوله : ( في مشربة له يرتقي إليها بعجلة ) وقع في بعض النسخ ( بعجلها ) وفي بعضها ( بعجلتها ) وفي بعضها ( بعجلة ) وكله صحيح والأخيرة أجود ، قال ابن قتيبة وغيره هي درجة من النخل كما قال في الرواية السابقة جذع .

                                                                                                                قوله : ( وأن عند رجليه قرظا مضبورا ) وقع في بعض الأصول ( مضبورا ) بالضاد المعجمة وفي بعضها بالمهملة وكلاهما صحيح أي مجموعا .

                                                                                                                قوله : ( وعند رأسه أهبا معلقة ) بفتح الهمزة والهاء وبضمهما لغتان مشهورتان جمع إهاب وهو الجلد قبل الدباغ على قول الأكثرين وقيل : الجلد مطلقا وسبق بيانه في آخر كتاب الطهارة .

                                                                                                                قوله : ( فرأيت أثر الحصير في جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيت ، فقال : ما يبكيك ، فقلت : يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما ترضى أن تكون لهما الدنيا ولك الآخرة ) هكذا هو في الأصول ولك [ ص: 70 ] الآخرة وفي بعضها ( لهم الدنيا ) وفي أكثرها ( لهما ) بالتثنية وأكثر الروايات في غير هذا الموضع ( لهم الدنيا ولنا الآخرة ) وكله صحيح .

                                                                                                                قوله : ( وكان آلى منهن شهرا ) هو بمد الهمزة وفتح اللام ومعناه حلف لا يدخل عليهن شهرا ، وليس هو من الإيلاء المعروف في اصطلاح الفقهاء ولا له حكمه وأصل الإيلاء في اللغة الحلف على الشيء يقال منه : آلى يؤالي إيلاء وتألى تأليا وائتلى ائتلاء ، وصار في عرف الفقهاء مختصا بالحلف على الامتناع من وطء الزوجة ولا خلاف في هذا إلا ما حكي عنابن سيرين أنه قال : الإيلاء الشرعي محمول على ما يتعلق بالزوجة من ترك جماع أو كلام أو إنفاق ، قال القاضي عياض : لا خلاف بين العلماء أن مجرد الإيلاء لا يوجب في الحال طلاقا ولا كفارة ولا مطالبة . ثم اختلفوا في تقدير مدته فقال علماء الحجاز ومعظم الصحابة والتابعين ومن بعدهم : المؤلي من حلف على أكثر من أربعة أشهر فإن حلف على أربعة فليس بمؤل . قال الكوفيون : هو من حلف على أربعة أشهر فأكثر ، وشذ ابن أبي ليلى والحسن وابن شبرمة في آخرين فقالوا : إذا حلف لا يجامعها يوما أو أقل ثم تركها حتى مضت أربعة أشهر فهو مؤل . وعن ابن عمر أن كل من وقت في يمينه وقتا وإن طالت مدته فليس بمؤل ، وإنما المؤلي من حلف على الأبد . قال : ولا خلاف بينهم أنه لا يقع عليه طلاق قبل أربعة أشهر ولا خلاف أن لو جامع قبل انقضاء المدة سقط الإيلاء فأما إذا لم يجامع حتى انقضت أربعة أشهر فقال الكوفيون : يقع الطلاق ، وقال علماء الحجاز ومصر وفقهاء أصحاب الحديث وأهل الظاهر كلهم : يقال للزوج إما أن تجامع وإما أن تطلق . فإن امتنع طلق القاضي عليه وهو المشهور من مذهب مالك وبه قال الشافعي وأصحابه . وعن مالك رواية كقول الكوفيين ، وللشافعي قول أنه لا يطلق القاضي عليه بل يجبر على الجماع أو الطلاق ويعزر على ذلك إن امتنع . واختلف الكوفيون هل يقع طلاقا رجعيا أم بائنا فأما الآخرون فاتفقوا على أن الطلاق الذي يوقعه هو أو القاضي يكون رجعيا إلا أن مالكا يقول : لا تصح فيها الرجعة حتى يجامع الزوج في العدة . قال القاضي عياض : ولم يحفظ هذا الشرط عن أحد سوى مالك . ولو مضت ثلاثة أقراء في الأشهر الأربعة فقال جابر بن زيد : إذا طلق انقضت عدتها بتلك الأقراء ، وقال الجمهور : يجب استئناف العدة : واختلفوا في أنه هل يشترط للإيلاء أن تكون يمينه في حال الغضب ومع قصد الضرر ؟ فقال جمهورهم : لا يشترط بل يكون مؤليا في كل حال . وقال مالك والأوزاعي : لا يكون مؤليا إذا حلف لمصلحة [ ص: 71 ] ولده لفطامه . وعن علي وابن عباس رضي الله عنه أنه لا يكون مؤليا إلا إذا حلف على وجه الغضب .




                                                                                                                الخدمات العلمية