الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5136 ) مسألة ; قال : ولا نكاح إلا بولي وشاهدين من المسلمين في هذه المسألة أربعة فصول : ( 5137 ) أحدها : أن النكاح لا يصح إلا بولي ، ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها ، ولا توكيل غير وليها في تزويجها . فإن فعلت ، لم يصح النكاح . روي هذا عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وأبي هريرة ، وعائشة رضي الله عنهم . وإليه ذهب سعيد بن المسيب ، والحسن ، وعمر بن عبد العزيز ، وجابر بن زيد ، والثوري ، وابن أبي ليلى وابن شبرمة ، وابن المبارك ، وعبيد الله العنبري ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبو عبيد

                                                                                                                                            وروي عن ابن سيرين ، والقاسم بن محمد ، والحسن بن صالح ، وأبي يوسف : لا يجوز لها [ ص: 6 ] ذلك بغير إذن الولي ، فإن فعلت كان موقوفا على إجازته . وقال أبو حنيفة : لها أن تزوج نفسها وغيرها ، وتوكل في النكاح ; لأن الله تعالى قال : { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } . أضاف النكاح إليهن ، ونهى عن منعهن منه ، ولأنه خالص حقها ، وهي من أهل المباشرة ، فصح منها ، كبيع أمتها ، ولأنها إذا ملكت بيع أمتها ، وهو تصرف في رقبتها وسائر منافعها ، ففي النكاح الذي هو عقد على بعض منافعها أولى

                                                                                                                                            ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : لا نكاح إلا بولي } . روته عائشة ، وأبو موسى ، وابن عباس . قال المروذي : سألت أحمد ويحيى عن حديث { : لا نكاح إلا بولي } . فقالا : صحيح .

                                                                                                                                            وروي عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : { أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها ، فنكاحها باطل باطل باطل ، فإن أصابها ، فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا ، فالسلطان ولي من لا ولي له } . رواه الإمام أحمد ، وأبو داود وغيرهما فإن قيل : فإن الزهري رواه وقد أنكره . قال ابن جريج : سألت الزهري عنه فلم يعرفه . قلنا له : لم يقل هذا عن ابن جريج غير ابن علية ، كذلك قال الإمام أحمد ويحيى ، ولو ثبت هذا لم يكن حجة ; لأنه قد نقله ثقات عنه ، فلو نسيه الزهري لم يضره ;

                                                                                                                                            لأن النسيان لم يعصم منه إنسان . قال النبي صلى الله عليه وسلم { : نسي آدم ، فنسيت ذريته } . ولأنها مولى عليها في النكاح ، فلا تليه ، كالصغيرة ، وأما الآية ، فإن عضلها الامتناع من تزويجها ، وهذا يدل على أن نكاحها إلى الولي .

                                                                                                                                            ويدل عليه أنها نزلت في شأن معقل بن يسار ، حين امتنع من تزويج أخته ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فزوجها . وأضافه إليها لأنها محل له . إذا ثبت هذا ، فإنه لا يجوز لها تزويج أحد . وعن أحمد ، لها تزويج أمتها . وهذا يدل على صحة عبارتها في النكاح ، فيخرج منه أن لها تزويج نفسها بإذن وليها ، وتزويج غيرها بالوكالة . وهو مذهب محمد بن الحسن . وينبغي أن يكون قولا لابن سيرين ومن معه ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { : أيما امرأة زوجت نفسها بغير إذن وليها ، فنكاحها باطل } . فمفهومه صحته بإذنه

                                                                                                                                            ولأن المرأة إنما منعت الاستقلال بالنكاح ، لقصور عقلها ، فلا يؤمن انخداعها ووقوعه منها على وجه المفسدة ، وهذا مأمون فيما إذا أذن فيه وليها . والصحيح الأول ; لعموم قوله { : لا نكاح إلا بولي } . وهذا يقدم على دليل الخطاب ، والتخصيص هاهنا خرج مخرج الغالب ، فإن الغالب أنها لا تزوج نفسها إلا بغير إذن وليها ، والعلة في منعها ، صيانتها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال ، وذلك ينافي حال أهل الصيانة والمروءة ، والله أعلم .

                                                                                                                                            ( 5138 ) فصل : فإن حكم بصحة هذا العقد حاكم ، أو كان المتولي لعقده حاكما ، لم يجز نقضه

                                                                                                                                            وكذلك سائر الأنكحة الفاسدة . وخرج القاضي في هذا وجها خاصة أنه ينقض . وهو قول الإصطخري من أصحاب الشافعي ; لأنه خالف نصا . والأول أولى ; لأنها مسألة مختلف فيها ، ويسوغ فيها الاجتهاد ، فلم [ ص: 7 ] يجز نقض الحكم له ، كما لو حكم بالشفعة للجار ، وهذا النص متأول وفي صحته كلام ، وقد عارضه ظواهر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية