الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5200 ) مسألة ; قال : وإذا زوج الرجل ابنته البكر ، فوضعها في كفاءة ، فالنكاح ثابت ، وإن كرهت ، كبيرة كانت أو صغيرة . أما البكر الصغيرة ، فلا خلاف فيها . قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز ، إذا زوجها من كفء ، ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها . وقد دل على جواز [ ص: 31 ] تزويج الصغيرة قول الله تعالى : { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } فجعل للائي لم يحضن عدة ثلاثة أشهر ، ولا تكون العدة ثلاثة أشهر إلا من طلاق في نكاح أو فسخ ، فدل ذلك على أنها تزوج وتطلق ، ولا إذن لها فيعتبر

                                                                                                                                            وقالت عائشة رضي الله عنهما : { تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست ، وبنى بي وأنا ابنة تسع } . متفق عليه . ومعلوم أنها لم تكن في تلك الحال ممن يعتبر إذنها . وروى الأثرم ، أن قدامة بن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست ، فقيل له ، فقال : ابنة الزبير إن مت ورثتني ، وإن عشت كانت امرأتي . وزوج علي ابنته أم كلثوم وهي صغيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما . وأما البكر البالغة العاقلة ، فعن أحمد روايتان ; إحداهما ، له إجبارها على النكاح ، وتزويجها بغير إذنها ، كالصغيرة

                                                                                                                                            وهذا مذهب مالك ، وابن أبي ليلى ، والشافعي ، وإسحاق والثانية ، ليس له ذلك ، اختارها أبو بكر . وهو مذهب الأوزاعي ، والثوري ، وأبي عبيد ، وأبي ثور ، وأصحاب الرأي ، وابن المنذر ; لما روى أبو هريرة ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا تنكح البكر حتى تستأذن . فقالوا : يا رسول الله ، فكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت } . متفق عليه . وروى أبو داود ، وابن ماجه ، عن ابن عباس ، { أن جارية بكرا ، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة ، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم . } ولأنها جائزة التصرف في مالها ، فلم يجز إجبارها ، كالثيب ، والرجل

                                                                                                                                            ووجه الرواية الأولى ، ما روي عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن ، وإذنها صماتها } رواه مسلم وأبو داود .

                                                                                                                                            فلما قسم النساء قسمين ، وأثبت الحق لأحدهما ، دل على نفيه عن الآخر ، وهي البكر فيكون وليها أحق منها بها ، ودل الحديث على أن الاستئمار هاهنا ، والاستئذان في حديثهم مستحب ، ليس بواجب ، لما روى ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { آمروا النساء في بناتهن } . رواه أبو داود . وحديث التي خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل ،

                                                                                                                                            ويحتمل أنها التي زوجها أبوها من ابن أخيه ليرفع بها خسيسته ، فتخييرها لذلك ، ولأن ما لا يشترط في نكاح الصغيرة لا يشترط في نكاح الكبيرة ، كالنطق . وقول الخرقي فوضعها في كفاءة يدل على أنه إذا زوجها من غير كفء ، فنكاحها باطل . وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وأحد قولي الشافعي لأنه لا يجوز له تزويجها من غير كفء ، فلم يصح . كسائر الأنكحة المحرمة ، ولأنه عقد لموليته عقدا لا حظ لها فيه بغير إذنها ، فلم يصح ، كبيعه عقارها من غير غبطة ولا حاجة ، أو بيعه بدون ثمن مثله ، ولأنه نائب عنها شرعا ، فلم يصح تصرفه لها شرعا بما لا حظ لها فيه كالوكيل

                                                                                                                                            والثانية ، يصح ; لأنه عيب في المعقود عليه ، فلم يمنع الصحة ، كشراء المعيب الذي لا يعلم عيبه . ويحتمل أن لا يصح النكاح ، إذا علم أن الزوج ليس بكفء ، ويصح إذا لم يعلم ; لأنه إذا علم حرم عليه العقد ، فبطل لتحريمه ، بخلاف ما لم يعلمه ، كما لو اشترى لها معيبا يعلم عيبه . ويحتمل أن يصح نكاح الكبيرة ; لأنه يمكن استدراك الضرر ، بإثبات الخيار لها ، فتفسخ إن كرهت ، وإن لم تفسخ كان كإجازتها وإذنها ، بخلاف نكاح الصغيرة .

                                                                                                                                            [ ص: 32 ] وعلى القول بصحته ; فإن كانت كبيرة ، فلها الخيار ، ولا خيار لأبيها إذا كان عالما ; لأنه أسقط حقه برضاه ، وإن كانت صغيرة ، فعليه الفسخ ، ولا يسقط برضاه ; لأنه يفسخ لحظها ، وحقها لا يسقط برضاه . ويحتمل أن لا يكون له الفسخ ، ولكن يمنع الدخول عليها حتى تبلغ فتختار . وإن كان لها ولي غير الأب ، فلها الفسخ على ما مضى . وعلى كلتا الروايتين ، فلا يحل له تزويجها من غير كفء ، ولا من معيب ; لأن الله تعالى أقامه مقامها ، ناظرا لها فيما فيه الحظ ، ومتصرفا لها ، لعجزها عن التصرف في نفسها ، فلا يجوز له فعل ما لا حظ لها فيه ، كما في مالها ، ولأنه إذا حرم عليه التصرف في مالها بما لا حظ فيه ، ففي نفسها أولى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية