الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 668 ] ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ، أي : رفع حكمه ، إذ حمله على رفع حقيقته يستلزم كذب الخبر لوقوعها من الناس كثيرا .

                ثم قيل : رفع الإثم خاصة دون الضمان والقضاء ، إذ ليس صيغة عموم فيعم كل حكم ، وأفسده أبو الخطاب بأنه يبطل فائدة تخصيص الأمة به ، إذ الناسي ونحوه غير مكلف أصلا في جميع الشرائع .

                قلت : فعلى هذا حيث لزم القضاء أو الضمان بعض من ذكر ، كناسي الصلاة يقضيها ، والمكره على القتل يقتل ، أو يضمن ، يكون لدليل خارج .

                التالي السابق


                قوله : " ومنها " ، أي : ومن الأمور التي ادعي فيها الإجمال ، وليست مجملة : قوله عليه الصلاة والسلام : " رفع عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " ، أي : رفع حكمه ، يعني أن معنى الحديث : رفع حكم [ ص: 669 ] الخطأ ، والنسيان ، والإكراه ; لأن حمله على رفع حقيقة الخطأ والنسيان ، يستلزم كذب الخبر ; لأن الخطأ والنسيان يقعان من الناس كثيرا ، والكذب في خبر المعصوم محال ; فتعين حمله على رفع حكمه .

                ثم قيل : الحكم المرفوع هو الإثم خاصة ، دون الضمان والقضاء ; لأن الحديث ليس صيغة عموم فيعم كل حكم .

                قلت : فيه نظر ; لأن تقدير الحديث : رفع عن أمتي حكم الخطأ ، واللام في الخطأ للاستغراق ، وحكم مضاف إليه ، والمضاف إلى العام عام . وهذا يقتضي رفع جميع أحكام الخطأ ، حتى إن من أتلف شيئا خطأ ، لا يأثم بإتلافه ، ولا يضمنه ، ومن ترك عبادة خطأ ، أو نسيانا ، أو إكراها ، لا يأثم بتركها ; فلا يلزم قضاؤها . وعلى الأول ، وهو اختصاص الرفع بالإثم ، يسقط الإثم في صورة الإتلاف والترك ، ويجب ضمان المتلف ، وقضاء المتروك .

                قوله : " وأفسده أبو الخطاب " ، يعني اختصاص الرفع بالإثم دون غيره ، أفسده أبو الخطاب ، " بأنه يبطل فائدة تخصيص الأمة به " ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " رفع عن أمتي الخطأ " . وذلك يقتضي اختصاصها بهذه الرخصة والرحمة ، والتسهيل عليها ، واللطف بها ; فلو قلنا : إن الرفع في حقها [ ص: 670 ] مختص بالإثم ، لم يكن لها على غيرها من الأمم تميز ; لأن الناسي ونحوه من أهل الأعذار ، كالمخطئ ، والمكره غير مكلفين أصلا في جميع الشرائع ، بدليل ما سبق في شروط التكليف .

                قلت : والاعتراض على هذا بوجهين :

                أحدهما : لا نسلم أن تخصيص الأمة بالذكر ، يقتضي اختصاصها بحكم زائد على بقية الأمم ، إذ ذلك من قبيل دلالة المفهوم وهي ضعيفة .

                الوجه الثاني : سلمنا أن هذا المفهوم حجة ، لكن لا نسلم أن رفع الإثم كان ثابتا في حق سائر الأمم .

                قلت : والاعتراضان ضعيفان ، والظاهر ما قاله أبو الخطاب ; " فعلى هذا : حيث لزم القضاء أو الضمان بعض من ذكر " يعني المخطئ ، أو الناسي ، أو المكره ، " كناسي الصلاة يقضيها ، والمكره على القتل يقتل أو يضمن " ، كان لدليل خارج ، كقوله عليه السلام : " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " . وقوله سبحانه وتعالى : ( النفس بالنفس ) [ المائدة : 45 ] ، وقوله عليه السلام : " من قتل قتيلا ; فأهله بخير النظرين ، إن شاءوا ، قتلوا ، وإن شاءوا أخذوا الدية " . لا بحق الأصل ; لأن حكم الأصل أن لا يجب بالخطأ والنسيان والإكراه شيء . عرفنا ذلك بالدليل المذكور على ما قرر من دلالته ، والله سبحانه وتعالى أعلم ، وقد انتهى الكلام في المجمل بحمد الله تعالى ومنه ، وهذا حين الكلام في المبين .




                الخدمات العلمية