الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ولنرجع إلى المقصود من كلام المصنف، ونقول: قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر في كتاب "التبيين": سمعت الشيخ الفقيه الإمام سعد بن علي بن أبي القاسم بن أبي هريرة الإسفراييني الصوفي الشافعي بدمشق قال: سمعت الإمام الأوحد زين القراء جمال الحرم أبا الفتح عامر بن نجا بن عامر الساري بمكة حرسها الله تعالى، يقول: دخلت المسجد الحرام يوم الأحد فيما بين الظهر والعصر، الرابع عشر من شوال سنة خمس وأربعين وخمسمئة، وكان في نوع تكسر ودوران رأس، بحيث إني لا أقدر أن أقف أو أجلس؛ لشدة ما في، فكنت أطلب موضعا أستريح فيه ساعة على جنبي، فرأيت باب بيت الجماعة للرباط الرامشتي عند باب العروة مفتوحا، فقصدته ودخلت فيه، ووقعت على جنبي الأيمن بحذاء الكعبة المشرفة مفترشا يدي تحت خدي; لكيلا يأخذني النوم فتنقض طهارتي، فإذا رجل من أهل البدعة معروف بها جاء ونشر مصلاه على باب ذلك البيت، وأخرج لويحا من جيبه، أظنه كان من الحجرة، وعليه كتابة، فقبله ووضعه بين يديه، وصلى صلاة طويلة مرسلا يديه فيها على عادتهم، وكان يسجد على ذلك اللويح في كل مرة، وإذا فرغ من صلاته سجد عليه وأطال فيه، وكان يمعك خده من الجانبين عليه، ويتضرع في الدعاء، ثم رفع رأسه وقبله ووضعه على عينيه، ثم قبله ثانيا، وأدخله في جيبه كما كان .

قال: فلما رأيت ذلك كرهته واستوحشت ذلك، وقلت في نفسي: ليت كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيا فيما بيننا ليخرجهم بسوء صنيعهم وما هم عليه من البدعة، ومع هذا التفكر كنت أطرد النوم عن نفسي كي لا يأخذني فتفسد طهارتي، فبينما أنا كذلك إذ طرأ النعاس وغلبني، فكأني بين اليقظة والنوم، فرأيت عرصة واسعة فيها ناس كثيرون واقفون، وفي يد كل واحد منهم كتاب مجلد، تحلق كلهم على شخص، فسألت الناس عن حالهم وعمن في الحلقة، قالوا: هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهؤلاء أصحاب المذاهب يريدون أن يقرؤوا مذاهبهم واعتقادهم من كتبهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويصححوها عليه، قال: فبينا أنا أنظر إلى القوم إذ جاء واحد من أهل الحلقة وبيده كتاب، قيل: إن هذا هو الشافعي -رضي الله عنه- .

فدخل في وسط الحلقة وسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جماله وكماله متلبسا بالثياب البيض المغسولة النظيفة من العمامة والقميص وسائر الثياب، على زي أهل التصوف، فرد عليه الجواب ورحب به، وقرأ الشافعي بين يديه، وقرأ من الكتاب مذهبه واعتقاده عليه، وبعد ذلك [ ص: 17 ] جاء شخص آخر قيل: هو أبو حنيفة -رضي الله عنه-. وبيده كتاب، فسلم وقعد بجنب الشافعي، وقرأ مذهبه واعتقاده، ثم أتى بعده كل صاحب مذهب، إلى أن لم يبق إلا القليل، وكل من يقرأ يقعد بجنب الآخر، فلما فرغوا إذا واحد من المبتدعة الملقبة بالرافضة قد جاء وفي يده كراريس غير مجلدة، فيها ذكر عقائدهم الباطلة، وهم أن يدخل الحلقة يقرأها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فخرج إليه واحد ممن كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وزجره وأخذ الكراريس من يده ورمى بها إلى خارج الحلقة وطرده وأهانه، قال: فلما رأيت القوم قد فرغوا وما بقي أحد يقرأ عليه شيئا، تقدمت قليلا، وكان في يدي كتاب مجلد، فناديت وقلت: يا رسول الله، هذا الكتاب معتقدي ومعتقد أهل السنة، لو أذنت لي حتى أقرأه عليك. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأيش ذلك؟ قلت: يا رسول الله، هو قواعد العقائد الذي صنفه الغزالي. فأذن لي في القراءة. قال: فقعدت وابتدأت (بسم الله الرحمن الرحيم) .

التالي السابق


الخدمات العلمية