الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 95 ] الباب الثالث

                                                                                                                في صيغ الالتزام

                                                                                                                وفي ( الجواهر ) : فهي : لله علي صوم ، أو نحوه مطلقا أو معلقا الشرط نحو : إن شفى الله مريضي . وقد تقدم أول الكتاب أن النذر الوعد كيف كان ومدركه . فإن قال : إن كلمت زيدا فعلي كذا ، ونحوه من الشروط المقصودة الإعدام لا الإيجاد - لزم على المعروف من المذهب ، وحكي عن ابن القاسم : تكفيه كفارة يمين ، وقاله ( ش ) وابن حنبل .

                                                                                                                ( تمهيد ) : في مسلم قال ، عليه السلام : ( كفارة النذر كفارة يمين ) حمله ( ش ) وابن حنبل على نذر اللجاج ، وهو ما قصد به حث على الإقدام والإحجام نحو : إن عصيت الله تعالى فعلي صوم . جمعا بينه وبين الإجماع على الوفاء بالنذر . في الدراقطني قال ، عليه السلام : ( من جعل المشي إلى بيت الله في أمر لا يريد به وجه الله تعالى ، فكفارته كفارة يمين ) وهو ضعيف السند ، وحمله مالك على النذر الذي لا مخرج له ، وهو أولى لوجوه ، أحدها : أن لفظ الحديث مطلق ، فيحمل على المطلق الذي لا تعلق له ، وثانيها : أن النصوص دالة على الوفاء بالملتزمات ، [ ص: 96 ] وهذا لم يلتزم شيئا معينا ، فتسلم النصوص على التخصيص بخلاف ما قاله ، وثالثها ما في أبي داود ، قال ، عليه السلام : ( من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين ) وهو مقيد ، فيحمل ذلك المطلق عليه .

                                                                                                                قاعدة : الأحكام الشرعية قسمان : ما قرره الله تعالى في أصل شرعه ولم يكله إلى اختيار عبيده كالصلاة ونحوها ، ومنها ما وكله لاختيارهم وحصر ذلك في باب واحد ، وهو نقل ما شاءوا من المندوبات إلى حيز الوجوب بطريق واحد ، وهو نقل النذر بأي شيء أرادوا إيجابه بذلك وجب ، وإلا فلا ، ولما شرع الله تعالى الأحكام شرع لكل حكم سببا ، وجعل الأسباب قسمين ، منها : ما قرر سببيته في أصل شرعه ، ولم يكله لاختيار عباده كأوقات الصلوات وأسباب العقوقات ، ومنها ما وكله لاختيارهم ، فإن شاءوا كان سببا ، وإلا فلا ، وهو شرط النذر والطلاق والعتاق ونحوها ، فإنها أسباب يلزم من وجودها الوجود من عدمها العدم ، ولم يحصر ذلك في المندوبات كما عمل في الأحكام ، بل عمم ذلك في سائر الممكنات المستقبلات من الواجبات والمحرمات ، وما ليس من المكتسبات كهبوب الرياح ونزول الأمطار مما ليس فيه حكم شرعي ، ولا اكتساب اختياري .

                                                                                                                فرع : في ( البيان ) : النذر إما مندوب ، وهو المطلق من غير شرط شكرا لله تعالى على ما قضى . أو مكروه ، وهو المفكر مع الأيام مخافة التفريط . أو مباح ، وهو المعلق على شرط مستقبل ، وفي ( الجواهر ) و ( المقدمات ) : هذا هو المكروه عند مالك لما في مسلم أنه - عليه السلام - نهى عن النذر ، وقال : إنه لا يأتي بخير ، وإنما يستخرج به من البخيل . قال : والكل لازم ، وكيفما تصرف لا يقضي به لاشتراط النية فيه ، وهي متعذرة مع الإكراه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية