الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1591 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن أبي شجاع سعيد بن يزيد عن خالد بن أبي عمران عن حنش الصنعاني عن فضالة بن عبيد قال اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لا تباع حتى تفصل حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا ابن مبارك عن سعيد بن يزيد بهذا الإسناد نحوه

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( عن فضالة بن عبيد قال : اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز ففصلتها . فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارا ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : لا تباع حتى تفصل ) هكذا هو في نسخ معتمدة ( قلادة باثني عشر دينارا ) وفي كثير من النسخ ( قلادة فيها اثني عشر دينارا ) ونقل القاضي أنه وقع لمعظم شيوخهم ( قلادة فيها اثني عشر دينارا ) وأنه وجده عند أصحاب الحافظ أبي علي الغساني مصلحة : ( قلادة باثني عشر دينارا ) قال : وهذا له وجه حسن وبه يصح الكلام ، هذا كلام القاضي ، والصواب ما ذكرناه أولا ( باثني عشر ) وهو الذي أصلحه صاحب أبي علي الغساني واستحسنه القاضي . والله أعلم .

                                                                                                                وفي هذا الحديث : أنه لا يجوز بيع ذهب مع غيره بذهب حتى يفصل فيباع الذهب بوزنه ذهبا ، ويباع الآخر بما أراد . وكذا لا تباع فضة مع غيرها بفضة ، وكذا الحنطة مع غيرها بحنطة ، والملح مع غيره بملح ، وكذا سائر الربويات ، بل لا بد من فصلها ، وسواء كان الذهب في الصورة المذكورة أولا قليلا أو كثيرا ، وكذلك باقي الربويات ، وهذه هي المسألة المشهورة في كتب الشافعي وأصحابه وغيرهم ، المعروفة بمسألة ( مد عجوة ) وصورتها : باع مد عجوة ودرهما بمدي عجوة ، أو بدرهمين ، لا يجوز لهذا الحديث ، وهذا منقول عن عمر بن الخطاب - رضي الله [ ص: 201 ] عنه - وابنه وجماعة من السلف ، وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن عبد الحكم المالكي ، وقال أبو حنيفة والثوري والحسن بن صالح : يجوز بيعه بأكثر مما فيه من الذهب ، ولا يجوز بمثله ولا بدونه ، وقال مالك وأصحابه وآخرون : يجوز بيع السيف المحلى بذهب وغيره مما هو في معناه مما فيه ذهب ، فيجوز بيعه بالذهب إذا كان الذهب في المبيع تابعا لغيره وقدروه بأن يكون الثلث فما دونه ، وقال حماد بن أبي سليمان : يجوز بيعه بالذهب مطلقا سواء باعه بمثله من الذهب أو أقل أو أكثر ، وهذا غلط مخالف لصريح الحديث ، واحتج أصحابنا بحديث القلادة وأجابت الحنفية بأن الذهب كان فيها أكثر من اثني عشر دينارا ، وقد اشتراها باثني عشر دينارا . قالوا : ونحن لا نجيز هذا وإنما نجيز البيع إذا باعها بذهب أكثر مما فيها ، فيكون ما زاد من الذهب المنفرد في مقابلة الخرز ونحوه مما هو مع الذهب المبيع فيصير كعقدين ، وأجاب الطحاوي بأنه إنما نهي عنه لأنه كان في بيع الغنائم لئلا يغبن المسلمون في بيعها قال أصحابنا : وهذان الجوابان ضعيفان لا سيما جواب الطحاوي ، فإنه دعوى مجردة . قال أصحابنا : ودليل صحة قولنا وفساد التأويلين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يباع حتى يفصل " ، وهذا صريح في اشتراط فصل أحدهما عن الآخر في البيع ، وأنه لا فرق بين أن يكون الذهب المبيع قليلا أو كثيرا ، وأنه لا فرق بين بيع الغنائم وغيرها . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية