الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 388 ] 176 - الحديث الأول : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم قال : { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر - أو قال رمضان - على الذكر والأنثى والحر والمملوك : صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير . قال : فعدل الناس به نصف صاع من بر ، على الصغير والكبير . وفي لفظ أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة } .

                                        التالي السابق


                                        المشهور من مذاهب الفقهاء : وجوب زكاة الفطر ، لظاهر هذا الحديث ، وقوله " فرض " . وذهب بعضهم إلى عدم الوجوب ، وحملوا " فرض " على معنى قدر ، وهو أصله في اللغة ، لكنه نقل في عرف الاستعمال إلى الوجوب ، فالحمل عليه أولى . لأنه ما اشتهر في الاستعمال فالقصد إليه هو الغالب . وقوله " رمضان " وفي رواية أخرى " من رمضان " قد يتعلق به من يرى : أن وقت الوجوب غروب الشمس من ليلة العيد ، وقد يتعلق به من يرى أن وقت الوجوب : طلوع الفجر من يوم العيد ، وكلا الاستدلالين ضعيف . لأن إضافتهما إلى الفطر من رمضان لا يستلزم أنه وقت الوجوب ، بل يقتضي إضافة هذه الزكاة إلى الفطر من رمضان ، فيقال حينئذ بالوجوب ، لظاهر لفظة " فرض " ويؤخذ وقت الوجوب من أمر آخر . وقوله { على الذكر والأنثى ، والحر ، والمملوك } يقتضي وجوب الإخراج عن هؤلاء . وإن كانت لفظة " على " تقتضي الوجوب عليهم ظاهرا . وقد اختلف الفقهاء في أن الذي يخرج عنهم : هل باشرهم الوجوب أو لا ؟ والمخرج يتحمله أم الوجوب يلاقي المخرج أو لا ؟ فقد يتمسك من قال بالقول الأول بظاهر قوله " على الذكر والأنثى ، والحر والمملوك " فإن ظاهره : يقتضي تعلق الوجوب بهم . كما ذكرنا . وشرط هذا التمسك : إمكان ملاقاة الوجوب للأصل . [ ص: 389 ] و " الصاع " أربع أمداد . والمد : رطل وثلث بالبغدادي . وخالف في ذلك أبو حنيفة . وجعل الصاع ثمانية أرطال . واستدل مالك . بنقل الخلف عن السلف بالمدينة . وهو استدلال صحيح قوي في مثل هذا . ولما ناظر أبا يوسف بحضرة الرشيد في المسألة رجع أبو يوسف إلى قوله ، لما استدل بما ذكرناه . وقوله " صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير " بيان لجنس المخرج في هذه الزكاة . وقد ورد تعيين أجناس لها في أحاديث متعددة أزيد مما في هذا الحديث . فمن الناس : من أجاز جميع هذه الأجناس مطلقا لظاهر الحديث . ومنهم من قال : لا يخرج إلا غالب قوت البلد . وإنما ذكرت هذه الأشياء لأنها كلها كانت مقتاتة بالمدينة في ذلك الوقت . فعلى هذا لا يجزئ بأرض مصر إلا إخراج البر . لأنه غالب القوت . وقوله " فعدل الناس - إلى آخره " هو مذهب أبي حنيفة في البر . فإنه يخرج منه نصف صاع . وقيل : إن الذي عدل ذلك : معاوية بن أبي سفيان . وروي في ذلك حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم من جهة ابن عباس ، ولا يمكن من قال بهذا المذهب : أن يستدل بقوله " فعدل الناس " ويجعل ذلك إجماعا على هذا الحكم ، ويقدمه على خبر الواحد . لأن أبا سعيد الخدري قد خالف في ذلك . وقال " أما أنا : فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه " ولا يخلو هذا من نظر . والسنة في صدقة الفطر : أن تؤدى قبل الخروج إلى الصلاة ، ليحصل غنى الفقير . وينقطع تشوفه عن الطلب في حالة العبادة .




                                        الخدمات العلمية