الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1769 حدثنا أبو كريب حدثنا ابن نمير عن هشام أخبرني أبي عن عائشة أن سعدا قال وتحجر كلمه للبرء فقال اللهم إنك تعلم أن ليس أحد أحب إلي أن أجاهد فيك من قوم كذبوا رسولك صلى الله عليه وسلم وأخرجوه اللهم فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني أجاهدهم فيك اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها واجعل موتي فيها فانفجرت من لبته فلم يرعهم وفي المسجد معه خيمة من بني غفار إلا والدم يسيل إليهم فقالوا يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم فإذا سعد جرحه يغذ دما فمات منها وحدثنا علي بن الحسين بن سليمان الكوفي حدثنا عبدة عن هشام بهذا الإسناد نحوه غير أنه قال فانفجر من ليلته فما زال يسيل حتى مات وزاد في الحديث قال فذاك حين يقول الشاعر

                                                                                                                ألا يا سعد سعد بني معاذ فما فعلت قريظة والنضير     لعمرك إن سعد بني معاذ
                                                                                                                غداة تحملوا لهو الصبور     تركتم قدركم لا شيء فيها
                                                                                                                وقدر القوم حامية تفور     وقد قال الكريم أبو حباب
                                                                                                                أقيموا قينقاع ولا تسيروا     وقد كانوا ببلدتهم ثقالا
                                                                                                                كما ثقلت بميطان الصخور

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( إن سعدا تحجر كلمه للبرء ) الكلم : بفتح الكاف : الجرح ، وتحجر أي يبس

                                                                                                                قوله : ( فإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها واجعل موتي فيها ) هذا ليس من تمني الموت المنهي عنه ، لأن ذلك فيمن تمناه لضر نزل به ، وهذا إنما تمنى انفجارها ليكون شهيدا .

                                                                                                                قوله : ( فانفجرت من لبته ) هكذا هو في أكثر الأصول المعتمدة ( لبته ) بفتح اللام وبعدها باء موحدة مشددة مفتوحة ، وهي النحر ، وفي بعض الأصول ( من ليته ) بكسر اللام وبعدها ياء مثناة من تحت ساكنة ، و ( الليت ) صفحة العنق ، وفي بعضها ( من ليلته ) قال القاضي : قالوا : وهو الصواب كما اتفقوا عليه في الرواية التي بعد هذه .

                                                                                                                قوله : ( فلم يرعهم ) أي : لم يفجأهم ويأتهم بغتة .

                                                                                                                قوله : ( فإذا سعد جرحه يغذ دما ) هكذا هو في معظم الأصول المعتمدة ( يغذ ) بكسر الغين المعجمة وتشديد الذال المعجمة أيضا ، ونقله القاضي عن جمهور الرواة ، وفي بعضها ( يغذ ) بإسكان الغين وضم الذال المعجمة ، وكلاهما صحيح ، ومعناه : يسيل ، يقال : غذ الجرح يغذ إذا دام سيلانه ، وغذا يغذو سال ، كما قال في الرواية الأخرى : ( فما زال يسيل حتى مات ) .

                                                                                                                قوله في الشعر :


                                                                                                                ألا يا سعد سعد بني معاذ فما فعلت قريظة والنضير

                                                                                                                هكذا هو في معظم النسخ ، وكذا حكاه القاضي عن المعظم ، وفي بعضها : ( لما فعلت ) باللام بدل الفاء وقال : وهو الصواب والمعروف في السير .

                                                                                                                قوله :


                                                                                                                تركتم قدركم لا شيء فيها وقدر القوم حامية تفور

                                                                                                                هذا مثل لعدم الناصر ، وأراد بقوله : ( تركتم قدركم ) الأوس لقلة حلفائهم ، فإن حلفاءهم قريظة ، وقد قتلوا ، وأراد بقوله : ( وقدر القوم حامية تفور ) الخزرج لشفاعتهم في حلفائهم بني قينقاع حتى من عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وتركهم بعبد الله بن أبي بن سلول ، وهو أبو حباب المذكور في البيت الآخر .

                                                                                                                [ ص: 443 ] قوله : ( كما ثقلت بميطان الصخور ) هو اسم جبل من أرض أجاز في ديار بني مزينة ، وهو بفتح الميم على المشهور ، وقال أبو عبيد البكري وجماعة هو بكسرها وبعدها ياء مثناة من تحت وآخره نون ، هذا هو الصحيح المشهور ، ووقع في بعض نسخ مسلم ( بميطار ) بالراء ، قال القاضي : وفي رواية ابن ماهان ( بحيطان ) بالحاء مكان الميم ، والصواب الأول ، قال : وإنما قصد هذا الشاعر تحريض سعد على استبقاء بني قريظة حلفائه ، ويلومه على حكمه فيهم ، ويذكره بفعل عبد الله بن أبي ، ويمدحه بشفاعته في حلفائهم بني قينقاع .




                                                                                                                الخدمات العلمية