الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1780 حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي حدثنا يحيى بن حسان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا ثابت عن عبد الله بن رباح قال وفدنا إلى معاوية بن أبي سفيان وفينا أبو هريرة فكان كل رجل منا يصنع طعاما يوما لأصحابه فكانت نوبتي فقلت يا أبا هريرة اليوم نوبتي فجاءوا إلى المنزل ولم يدرك طعامنا فقلت يا أبا هريرة لو حدثتنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدرك طعامنا فقال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى وجعل الزبير على المجنبة اليسرى وجعل أبا عبيدة على البياذقة وبطن الوادي فقال يا أبا هريرة ادع لي الأنصار فدعوتهم فجاءوا يهرولون فقال يا معشر الأنصار هل ترون أوباش قريش قالوا نعم قال انظروا إذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا وأخفى بيده ووضع يمينه على شماله وقال موعدكم الصفا قال فما أشرف يومئذ لهم أحد إلا أناموه قال وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا وجاءت الأنصار فأطافوا بالصفا فجاء أبو سفيان فقال يا رسول الله أبيدت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم قال أبو سفيان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن فقالت الأنصار أما الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته ونزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلتم أما الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته ألا فما اسمي إذا ثلاث مرات أنا محمد عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم قالوا والله ما قلنا إلا ضنا بالله ورسوله قال فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                وأما قوله في الرواية الأخرى : ( فما أشرف أحد يومئذ لهم إلا أناموه ) فمحمول على من أشرف مظهرا للقتال . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( قلنا ذاك يا رسول الله ، قال : فما اسمي إذن ، كلا إني عبد الله ورسوله ) قال القاضي : يحتمل هذا وجهين ، أحدهما : أنه أراد صلى الله عليه وسلم أني نبي لإعلامي إياكم بما تحدثتم به سرا . والثاني لو فعلت هذا الذي خفتم منه ، وفارقتكم ورجعت إلى استيطان مكة لكنت ناقضا لعهدكم في ملازمتكم ، ولكان هذا غير مطابق لما اشتق منه اسمي وهو الحمد ، فإني كنت أوصف حينئذ بغير الحمد .

                                                                                                                قوله : ( وفدنا إلى معاوية رضي الله عنه وفينا أبو هريرة ، فكان كل رجل منا يصنع طعاما يوما لأصحابه ، فكانت نوبتي ) فيه دليل على استحباب اشتراك المسافرين في الأكل ، واستعمالهم مكارم الأخلاق ، وليس هذا من باب المعاوضة حتى يشترط فيه المساواة في الطعام ، وألا يأكل بعضهم أكثر من بعض ، بل هو من باب المروءات ومكارم الأخلاق ، وهو بمعنى الإباحة ، فيجوز وإن تفاضل الطعام واختلفت أنواعه ، ويجوز وإن أكل بعضهم أكثر من بعض ، لكن يستحب أن يكون شأنهم إيثار بعضهم بعضا .

                                                                                                                قوله : ( فجاءوا إلى المنزل ولم يدرك طعامنا فقلت : يا أبا هريرة لو حدثتنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدرك طعامنا فقال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح إلى آخره ) فيه استحباب الاجتماع على الطعام وجواز دعائهم إليه قبل إدراكه ، واستحباب حديثهم في حال الاجتماع بما فيه بيان أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وغزواتهم ونحوها ، مما تنشط النفوس لسماعه ، وكذلك غيرها من الحروب ونحوها مما لا إثم فيه ، ولا يتولد منه في العادة ضر في دين ولا دنيا ولا أذى لأحد لتنقطع بذلك مدة الانتظار ، ولا يضجروا ، ولئلا يشتغل بعضهم مع بعض في غيبة أو نحوها من الكلام المذموم .

                                                                                                                وفيه أنه يستحب إذا كان في الجمع مشهور بالفضل أو بالصلاح أن يطلب منه الحديث فإن لم يطلبوا استحب له الابتداء بالحديث ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يبتديهم بالتحديث من غير طلب منهم .

                                                                                                                قوله : ( وجعل أبا عبيدة على البياذقة وبطن الوادي ) ( البياذقة ) بباء موحدة ثم مثناة تحت وبذال [ ص: 469 ] معجمة وقاف ، وهم الرجالة ، قالوا : وهو فارسي معرب ، وأصله بالفارسية : أصحاب ركاب الملك ، ومن يتصرف في أموره ، قيل : سموا بذلك لخفتهم وسرعة حركتهم ، هكذا الرواية في هذا الحرف هنا ، وفي غير مسلم أيضا ، قال القاضي : هكذا روايتنا فيه ، قال : ووقع في بعض الروايات ( الساقة ) وهم الذين يكونون آخر العسكر ، وقد يجمع بينه وبين البياذقة بأنهم رجالة وساقة ، ورواه بعضهم ( الشارفة ) وفسروه بالذين يشرفون على مكة ، قال القاضي : وهذا ليس بشيء ; لأنهم أخذوا في بطن الوادي ، والبياذقة هنا هم الحسر في الرواية السابقة ، وهم رجالة لا دروع عليهم .

                                                                                                                قوله : ( وقال موعدكم الصفا ) يعني : قال هذا لخالد ومن معه الذين أخذوا أسفل من بطن الوادي ، وأخذ هو صلى الله عليه وسلم ومن معه أعلى مكة .

                                                                                                                قوله : ( فما أشرف لهم أحد إلا أناموه ) أي : ما ظهر لهم أحد إلا قتلوه فوقع إلى الأرض ، أو يكون بمعنى أسكنوه بالقتل كالنائم ، يقال : نامت الريح إذا سكنت ، وضربه حتى سكن ، أي : مات ، ونامت الشاة وغيرها : ماتت ، قال الفراء : النائمة الميتة ، هكذا تأول هذه اللفظة القائلون بأن مكة فتحت عنوة ، ومن قال : فتحت صلحا يقول أناموه ألقوه إلى الأرض من غير قتل إلا من قاتل . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية