الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الحكم الثالث : قضاء الصلاة لعذر ضربان : عام ، ونادر .

                                                                                                                                                                        فالعام : لا قضاء معه ، كصلاة مسافر محدث ، أو جنب بالتيمم - لعدم ما يجب استعماله إذا لم يكن سفر معصية . وفي سفر المعصية أوجه . الأصح : يجب التيمم والقضاء . والثاني : يتيمم ولا يقضي . والثالث : لا يجوز التيمم .

                                                                                                                                                                        وقصير السفر كطويله على المذهب . وقيل : في وجوب القضاء معه قولان - وكصلاة المريض بالتيمم ، أو قاعدا ، أو مضطجعا ، والصلاة بالإيماء في شدة الخوف .

                                                                                                                                                                        وأما النادر : فقسمان . قسم يدوم غالبا ، وقسم لا يدوم . فما يدوم يمنع القضاء ، كالاستحاضة ، وسلس البول ، والمذي ، والجرح السائل ، واسترخاء المقعد ، ودوام خروج الحدث ، سواء كان له بدل ، أم لا .

                                                                                                                                                                        وما لا يدوم نوعان . نوع معه بدل ، ونوع لا بدل معه ، فما لا بدل معه يوجب القضاء ، وذلك صور .

                                                                                                                                                                        منها : من لم يجد ماء ، ولا ترابا . وفيه أقوال . المشهور : وجوب الصلاة بحسب حاله ، ووجوب القضاء . والثاني : تحرم الصلاة . والثالث : تستحب ، ويجب القضاء على هذين . والرابع : تجب الصلاة بلا قضاء ، وإذا قلنا : يصلي ، لا يجوز مس المصحف ، ولا قراءة القرآن للجنب والحائض ، ولا وطء الحائض ، وإذا قدر على ماء أو تراب في الصلاة ، بطلت .

                                                                                                                                                                        ومنها : المربوط على خشبة ، ومن شد وثاقه بالأرض ، يصلي بالإيماء ويعيد . وقال الصيدلاني . إن صلى مستقبلا القبلة ، لم يعد ، وإلا عاد . قال : وكذا الغريق يصلي على خشبة بالإيماء . وذكر البغوي نحوه .

                                                                                                                                                                        ومنها : من على جرحه نجاسة يخاف التلف من غسلها ، أو حبس في [ ص: 122 ] موضع وصلى فيه على النجاسة للضرورة ، فتجب الإعادة على المشهور . وفي القديم : لا يجب إعادة صلاة وجبت في الوقت ، وإن كانت مختلة .

                                                                                                                                                                        وأما ما معه بدل فصور :

                                                                                                                                                                        منها : المقيم إذا تيمم لعدم الماء ، فيجب عليه الإعادة على المشهور ، لإن فقد الماء في الإقامة نادر ، وإنما لا يجب القضاء على المسافر ، لإن فقد الماء فيه يعم . هذا هو الضابط عند الأصحاب ، وليس مخصوصا بالسفر ، أو الإقامة ، حتى لو أقام في مفازة ، أو موضع يعدم فيه الماء غالبا ، وطالت إقامته وصلاته بالتيمم ، فلا إعادة . ولو دخل المسافر في طريقه قرية ، وعدم الماء وصلى بالتيمم ، وجبت الإعادة على الأصح ، وإن كان حكم السفر باقيا . وأما قول الأصحاب : المقيم يقضي ، والمسافر لا يقضي ، فمرادهم : الغالب من حال المسافر والمقيم ، وحقيقته ما ذكرناه .

                                                                                                                                                                        ومنها : التيمم لعذر في بعض الأعضاء ، فإن لم يكن على العضو ساتر من جبيرة ، أو لصوق ، فلا إعادة . وإن كان ساتر من جبيرة ونحوها ، فثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                        الأظهر : أنه إن وضعها على طهر ، فلا إعادة ، وإلا وجبت . والثاني : لا يعيد مطلقا . والثالث : يعيد .

                                                                                                                                                                        وقال ابن الوكيل من أصحابنا : الخلاف إذا لم يتيمم . أما إذا قلنا : يجب التيمم ، فتيمم ، فلا إعادة قطعا . والمذهب طرد الخلاف مطلقا . هذا كله إذا لم تكن الجبيرة على محل التيمم ، فإن كانت عليه ، أعاد بلا خلاف . ومنها : التيمم لشدة البرد ، والأظهر : أنه يوجب الإعادة . والثاني : لا . والثالث : يجب على الحاضر دون المسافر .

                                                                                                                                                                        أما العاجز عن ستر العورة ، ففيه قولان ووجه . وقيل : ثلاثة أوجه . أصحها : يصلي قائما ويتم الركوع والسجود ، والثاني : يصلي قاعدا . وهل يتم الركوع والسجود أم يومئ ؟ فيه قولان : والثالث : يتخير بين الأمرين . ويجري هذا الخلاف فيما لو حبس في موضع نجس ، لو سجد لسجد على نجاسة . وفيما لو [ ص: 123 ] وجد ثوبا طاهرا لو فرشه على النجاسة ، لبقي عاريا . وفيما لو وجد العاري ثوبا نجسا ، هل يصلي فيه ، أم عاريا ؟ ثم إن قلنا : العريان لا يتم الأركان ، أعاد على المذهب ، وفيه خلاف من لم يجد ماء ولا ترابا . وإن قلنا : يتمها ، فلا إعادة على المذهب . سواء كان في السفر أو الحضر ممن يعتاد العري ، أو ممن لا يعتاد العري . وقيل : يجب على من لا يعتاد العري .

                                                                                                                                                                        قلت : ولو لم يجد المريض من يحوله للقبلة ، لزمه الصلاة بحسب حاله ، وتجب الإعادة على المذهب . قال الروياني : وقيل : قولان . وهو شاذ . قال إمام الحرمين وغيره : ثم ما حكمنا من الأعذار : بأنه دائم ، وأسقطنا به الفرض فزال بسرعة ، فهو كدائم ، وما حكمنا أنه لا يدوم فدام ، فله حكم ما لم يدم إلحاقا لشاذ الجنس بالجنس . ثم كل صلاة أوجبناها في الوقت ، وأوجبنا إعادتها ، فهل الفرض الأولى ، أم الثانية ، أم كلاهما ، أم إحداهما لا بعينها ؟ فيه أربعة أقوال . أظهرها : عند الجمهور : الثانية . وعند القفال والفوراني وابن الصباغ : كلاهما ، وهو أفقه ، فإنه مكلف بهما - وهذه مسائل منثورة لا يستحب ( فيها ) تجديد التيمم على المذهب - وبه قطع الجمهور . وفي المستظهري : وجهان . ويتصور في مريض وجريح ونحوهما ممن تيمم مع وجود الماء ، إذا تيمم وصلى فرضا ثم أراد نفلا ، ويتصور في متيمم لعدم الماء إذا صلى فرضا ولم يفارق موضعه ، ولم نوجب طلبا لتحققه العدم أو لم نوجبه ثانيا . وحكم اليد المقطوعة كهو في الوضوء ، حتى إذا لم يبق شيء من محل الفرض ، استحب مسح العضد . قال الدارمي : وإذا لم يكن مرفق ، استطهر حتى يعلم . ولو وجد المسافر على الطريق خابية ماء مسبلة ، تيمم ، ولا يجوز الوضوء منها ، لأنها إنما توضع للشرب . ذكره المتولي ، ونقله الروياني عن الأصحاب . ولو منع من الوضوء إلا منكوسا ، فهل له الاقتصار على التيمم ، أم عليه غسل الوجه لتمكنه منه ؟ فيه القولان فيمن وجد بعض ما يكفيه ، حكاه الروياني عن والده . [ ص: 124 ] قال : ولا يلزمه قضاء الصلاة إذا امتثل المأمور على القولين . وفي القضاء نظر ، لندوره ، لكن الراجح ما ذكره ، لأنه في معنى من غصب ماؤه ولا قضاء . قال صاحب ( الحاوي ) و ( البحر ) : لو مات رجل معه ماء لنفسه لا يكفيه لبدنه ، فإن أوجبنا استعمال الناقص ، لزم رفقته غسله به ، وإلا يمموه . فإن غسلوه به ، ضمنوا قيمته لوارثه . ولو تيمم لمرض فبرأ في أثناء الصلاة ، فكرؤية الماء في صلاة المسافر . ولو تيمم عن جنابة أو حيض ، ثم أحدث ، حرم ما يحرم على محدث . ولا يحرم قراءة القرآن ، واللبث في المسجد . ولو تيمم جنب فرأى ماء ، حرمت القراءة ، وكل ما كان حراما ، حتى يغتسل . قال الجرجاني : ليس أحد يصح إحرامه بصلاة فرض دون نفل ، إلا من عدم ماء وترابا ، أو سترة طاهرة ، أو كان على بدنه نجاسة عجز عن إزالتها . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية