الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في أداء المسلم فيه ، والكلام في صفته وزمانه ومكانه

                                                                                                                                                                        أما صفته ، فإن أتى بغير جنسه لم يجز قبوله ، إذ لا يجوز الاعتياض عنه . وإن أتى بجنسه وعلى صفته المشروطة ، وجب قبوله قطعا ، وإن كان أجود ، جاز قبوله قطعا ، ووجب على الأصح . وإن كان أردأ ، جاز قبوله ولم يجب . وإن أتى بنوع آخر ، بأن أسلم في التمر المعقلي ، فأحضر البرني ، أو في ثوب هروي ، فأتى بمروي ، فأوجه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 30 ] أصحها : يحرم قبوله . والثاني : يجب . والثالث : يجوز ، كما لو اختلفت الصفة ، واختلفوا في أن التفاوت بين التركي والهندي ، تفاوت جنس ، أم تفاوت نوع ؟ والصحيح : الثاني . وفي أن التفاوت بين الرطب والتمر ، وبين ما سقي بماء السماء وما سقي بغيره ، تفاوت نوع ، أو صفة ؟ والأصح الأول .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ما أسلم فيه كيلا قبضه كيلا . وما أسلم فيه وزنا ، قبضه وزنا ولا يجوز العكس . وإذا كال لا يزلزل المكيال ، ولا يضع الكف على جوانبه . ويجب تسليم الحنطة ونحوها نقية من الزوان والمدر والتراب ، فإن كان فيها شيء قليل من ذلك ، وقد أسلم كيلا ، جاز ، وإن أسلم وزنا لم يجز .

                                                                                                                                                                        قلت : هكذا أطلق جمهور الأصحاب ، وقال صاحب " الحاوي " : فيما إذا أسلم كيلا ، إلا أن يكون لإخراج التراب مؤنة ، فلا يلزمه قبولها . قال في " البيان " دقاق التبن كالتراب . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ويجب تسليم التمر جافا ، والرطب صحيحا غير مشدخ .

                                                                                                                                                                        وأما زمانه : فإن كان السلم مؤجلا لم يخف أنه لا مطالبة قبل المحل . فإن أتى به المسلم إليه قبله ، فامتنع من قبوله ، قال جمهور الأصحاب : إن كان له غرض في الامتناع ، بأن كان وقت نهب ، أو كان حيوانا يحتاج علفا ، أو ثمرة ، أو لحما يريد أكلها عند المحل طريا ، أو كان يحتاج إلى مكان له مؤنة ، كالحنطة وشبهها لم يجبر على القبول . وإن لم يكن له غرض في الامتناع ، فإن كان للمؤدي غرض سوى براءة الذمة ، بأن كان به رهن أو كفيل ، أجبر على القبول على المذهب . وقيل : قولان .

                                                                                                                                                                        [ ص: 31 ] وهل يلحق بهذه الأعذار خوفه من انقطاع الجنس قبل الحلول ؟ وجهان . الأصح : يلحق . وإن لم يكن للمؤدي غرض سوى براءة الذمة ، فقولان ، أصحهما : يجبر ، وإن تقابل غرضاهما ، فالمرعي جانب المستحق على المذهب . وقيل بطرد القولين ، وعكس الغزالي هذا الترتيب ، وهو شاذ مردود . وحكم سائر الديون المؤجلة فيما ذكرنا حكم المسلم فيه .

                                                                                                                                                                        وأما إذا كان السلم حالا ، فله المطالبة به في الحال . فلو أتى به المسلم إليه ، فامتنع من قبضه ، فإن كان للدافع غرض سوى البراءة ، أجبر على القبول ، وإلا ، فالمذهب : أنه يجبر على القبول أو الإبراء . وقيل : على القولين ، وحيث ثبت الإجبار ، فلو أصر على الامتناع ، أخذه الحاكم له . وأما مكانه : فإذا قلنا : يتعين مكان العقد للتسليم ، أو قلنا : لا يتعين فعيناه ، وجب التسليم فيه . فلو وجد المسلم إليه في غير ذلك المكان ، فإن كان لنقله مؤنة لم يطالب به . وهل يطالب بالقيمة للحيلولة ؟ وجهان . الصحيح : لا ؛ لأن أخذ العوض عن المسلم فيه قبل القبض غير جائز ، وبهذا قطع العراقيون وصاحب التهذيب ، فعلى هذا ، للمسلم الفسخ واسترداد رأس المال ، كما لو انقطع المسلم فيه . وإن لم يكن لنقله مؤنة كالدراهم والدنانير ، فله مطالبته به ، وأشار إمام الحرمين إلى الخلاف فيه . ولو ظفر المالك بالغاصب في غير مكان الغصب أو الإتلاف ، فهل له مطالبته بالمثل ؟ فيه خلاف ، الأصح : ليس له المطالبة إلا بالقيمة . ولو أتى المسلم إليه بالمسلم فيه في غير مكان التسليم ، فامتنع المستحق من أخذه ، فإن كان لنقله مؤنة ، أو كان الموضع مخوفا لم يجز ، وإلا فوجهان بناء على القولين في التعجيل قبل المحل . فلو رضي ، وأخذه لم يكن له أن يكلفه مؤنة النقل .

                                                                                                                                                                        قلت : أصحهما : إجباره . ولو اتفق كون رأس المال على صفة المسلم فيه ، فأحضره ، فوجهان مشهوران . أصحهما : يجب قبوله . والثاني : لا يجوز . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية