الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( خاطبته ) زوجته ( بمكروه كيا سفيه أو يا خسيس ) أو يا حقرة ( فقال إن كنت كذلك ) أي سفيها أو خسيسا ( فأنت طالق ) ( إن أراد مكافأتها بإسماع ما تكره ) من الطلاق لكونها أغاظته بالشتم ( طلقت ) حالا ( وإن لم يكن سفه ) ولا خسة ولا حقرة إذ المعنى إن كنت كذلك في زعمك فأنت طالق ( أو ) أراد ( التعليق اعتبرت الصفة ) كسائر التعليقات ( وكذا إن لم يقصد ) مكافأة ولا تعليقا ( في الأصح ) مراعاة لقضية لفظه إذ المرعي في التعليقات الوضع اللغوي كما مر والثاني لا تعتبر الصفة حملا على المكافأة اعتبارا بالعرف ، وأخذ بعضهم مما تقرر أن التعليق بغسل الثياب لا يحصل البر فيه إلا بغسلها بعد استحقاقها الغسل من الوسخ لأنه العرف في ذلك ، وكالوسخ النجاسة كما هو ظاهر ، وتردد الولي العراقي في التعليق بأن بنته لا تجيئه فجاءت لبابه فلم [ ص: 54 ] تجتمع به ثم مال إلى عدم الحنث حيث لا نية لأنها لم تجئ بالفعل إلا لبابه ومجيئها إليه بالقصد غير مؤثر قال : والورع الحنث لأنه قد يقال جاءت ولم تجتمع به .

                                                                                                                            قال : ومدلول لا يعمل عنده لغة : عمله بحضوره ، وعرفا : أن يكون أجيرا له ، فإن أراد أحدهما فذاك ، وإلا بنى على ما مر من أن المغلب اللغة أو العرف عند تعارضهما ويتجه من تغليب العرف إذا قوي واطرد تغليبه هنا لاطراده ، قالوا والخياطة اسم لمجموع غرز الإبرة وجذبها بمحل واحد ، فلو جذبها ثم غرزها في محل آخر لم تكن خياطة ، ولو علق بنزولها عن حضانة ولدها نزولا شرعيا لم يحنث بنزولها لأنه بإعراضها وإسقاطها يستحقها شرعا لا بنزولها مع أن حقها لا يسقط بذلك إذ لها العود لأخذه قهرا عليه ( والسفه ) كما في المحرر ( منافي إطلاق التصرف ) وهو ما يوجب الحجر مما مر في بابه ، ونازع فيه الأذرعي بأن العرف عم بأنه بذاءة اللسان ونطقه بما يستحيا منه سيما إن دلت قرينة عليه بأنه خاطبها ببذاءة فقالت يا سفيه مشيرة لما صدر منه ، والأوجه الرجوع إلى ذلك إن ادعى إرادته وكان هناك قرينة ، فإن كان عاميا عمل بدعواه وإن لم تكن قرينة ( والخسيس قيل ) أي قال العبادي : هو ( من باع دينه بدنياه ) بأن تركه باشتغاله بها قال وأخس الأخساء من باع آخرته بدنيا غيره ، وقال الرافعي تفقها من نفسه نظرا للعرف .

                                                                                                                            ( ويشبه أن يقال ) في معناه ( هو من يتعاطى غير لائق به بخلا ) بما يليق به بخلاف من يتعاطاه تواضعا أو زهدا أو طرحا للتكليف والحقرة عرفا ذاتا ضئيل الشكل فاحش القصر ووضعا الفقير الفاسق قاله العراقي ثم قال : وبلغني أن النساء لا يردن به إلا قليل النفقة [ ص: 55 ] ولا عبرة بعرفهن تقديما للعرف العام عليه ، والبخيل من لا يؤدي الزكاة ولا يقري الضيف قاله المتولي ، وقضيته أنه لو اقتصر على إحداهما لم يكن بخيلا واعترض بأن العرف يقتضي الثاني فقط ، ورد بمنع ذلك ، والكلام في غير عرف الشرع أما فيه فهو من يمنع مالا لزمه بذله ، والقواد من يجمع بين الرجال والنساء جمعا حراما وإن كن غير أهله قال ابن الرفعة : وكذا من يجمع بينهم وبين المرد ، والقرطبان : من يسكت عن الزاني بامرأته ، وفي معناه محارمه ونحوهن . والديوث : من لا يمنع الداخل على زوجته من الدخول ومحارمه ، وإماؤه كالزوجة كما بحثه الأذرعي وقليل الحمية من لا يغار على أهله ومحارمه ونحوهن ، والقلاش : الذواق للطعام كأن يرى أنه يريد الشراء ولا يشتري ، ولو قال من قيل له يا زوج القحبة إن كانت كذا فهي طالق طلقت إن قصد التخلص من عارها كقصده المكافأة وإلا اعتبرت الصفة ، والقحبة هي البغي ، والجهوذوري : من قام به الذلة والخساسة كما جزم به ابن المقري ، وقيل من قام به صفرة الوجه ، وجرى عليه الحجازي فعلى الأول لو علق مسلم طلاقه به لم يقع لأنه لا يوصف بها ، فإن قصد المكافأة بها طلقت حالا ، والكوسج : من قل شعر وجهه وعدم شعر عارضيه ، والأحمق من يفعل الشيء في غير موضعه مع علمه بقبحه ، والغوغاء : من يخالط الأراذل ويخاصم الناس بلا حاجة ، والسفلة : من يعتاد دنيء الأفعال إلا نادرا .

                                                                                                                            فإن وصفت زوجها بشيء من ذلك فقال لها إن كنت كذلك فأنت طالق ، فإن قصد مكافأتها طلقت حالا وإلا اعتبر وجود الصفة ، أو قالت له كم تحرك لحيتك فقد رأيت مثلها كثيرا فقال إن كنت رأيت مثلها كثيرا فأنت طالق فهذه كناية عن الرجولية أو الفتوة أو نحوها ، فإن قصد بها المغايظة والمكافأة أو الرجولية والفتوة طلقت أو المشاكلة في الصورة أو لم يقصد شيئا فلا إلا إن كانت رأت مثلها كثيرا ، [ ص: 56 ] كذا جرى عليه ابن المقري ، وعبارة أصله بدل الرجولية والفتوة أنه كالمشاكلة حيث قال : فإن حمل اللفظ على المكافأة طلقت وإلا فلا ، ووجهه ما جرى عليه الأول أن رؤيتها مثلها في الرجولية والفتوة وجدت ولا بد ، بخلاف المماثلة في الشكل والصورة وعدد الشعرات فإنها قد لا تكون وجدت ، ولو قالت له أنا أستنكف منك ، فقال كل امرأة تستنكف مني فهي طالق فظاهره المكافأة فتطلق حالا إن لم يقصد التعليق ، ولو قالت لزوجها أنت من أهل النار فقال لها إن كنت من أهلها فأنت طالق لم تطلق لأنه من أهل الجنة ظاهرا ، فإن مات مرتدا بان وقوعه ، فلو كان كافرا طلقت لأنه من أهل النار ظاهرا ، فإن أسلم بان عدمه وإن قصد في الصورتين المكافأة طلقت حالا ولو قال لزوجته إن فعلت معصية أنت طالق لم تطلق بترك الطاعة كصلاة وصوم لأنه ترك وليس بفعل ، ولو وطئ زوجته ظانا أنها أمته فقال إن لم تكوني أحلى من زوجتي فهي طالق طلقت لوجود الصفة لأنها هي الحرة فلا تكون أحلى من نفسها كما مال إلى ذلك الإسنوي وهو المعتمد ، أو إن وطئت أمتي بغير إذنك فأنت طالق فقالت له طأها في عينها فليس بإذن . نعم إن دل الحال على الإذن في الوطء كان إذنا وقولها في عينها توسعا في الإذن لا تخصيصا . قاله الأذرعي ، ولو قال إن دخلت البيت ووجدت فيه شيئا من متاعك ولم أكسره على رأسك فأنت طالق ، فوجد في البيت هاونا طلقت حالا كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : بعد استحقاقها الغسل ) [ ص: 54 ] أي في عرف الحالف ( قوله : ثم مال إلى عدم الحنث ) وهو المعتمد ، ومثل ذلك في عدم الحنث ما وقع السؤال عنه من أن شخصا تشاجر مع زوجته فحلف عليها بالطلاق الثلاث أنها لا تذهب إلى أهلها إلا إن جاءها بأحدهم ، فتوجه إلى أهلها وأتى بوالدتها بناء على أنها قاعدة في منزله فرآها في الطريق وردها إلى منزله وهو عدم الحنث لأنها لم تصل إلى أهلها ، ومثل ردها إلى منزله ما لو أمر والدتها أن تذهب إلى أهلها وذهبت بها أو لم يأمرها ( قوله : أن يكون أجيرا له ) وعليه فهل يحنث بما جرت العادة به من مجرد التوافق على كونه يحرث عنده من غير استئجار صحيح أو لا بد من الاستئجار كما هو ظاهر قوله أجيرا له ؟ فيه نظر ، ولا يبعد الأول لأنه العرف العام المطرد فيما بينهم ، ويفرق بين ذلك وما لو قال لا أؤجر أو لا أبيع حيث لا يحنث بالفاسد منهما لأن مدلول اللفظ ثم العقد الصحيح شرعا وما هنا ليس له مدلول شرعي فحمل على المتعارف ( قوله : واطرد تغليبه ) أي فلا يحنث إلا إذا عمل أجيرا عنده ( قوله : ويشبه أن يقال ) مقول قول الرافعي : أي ينبغي أن يقال في تعريفه إنه من إلخ فلا يتوقف ذلك على فعل حرام ولا على ترك واجب ( قوله : فاحش القصر ) أي فإن عين أحدهما في يمينه كأن قال فلان حقرة ذاتا [ ص: 55 ] أو صفة عمل به ، وإن أطلق حنث إن كان حقره بأحد الوصفين لصدق الحقرة على كل منهما ، فلو قال أردت أحدهما وعينه فينبغي قبوله منه ( قوله ولا عبرة بعرفهن ) معتمد ( قوله : ولا يقري الضيف ) قال في المختار : وقرى الضيف يقريه قرى بالكسر وقراء بالفتح والمد أحسن إليه ، وكتب أيضا لطف الله به قوله ولا يقري الضيف ، والظاهر أنه ليس مراده هنا بالضيف خصوص القادم من السفر بل من يطرأ عليه ، وقد جرت العادة بإكرامه ( قوله : ورد بمنع ذلك ) أي فيحنث بأحدهما كما يفيده كلام المنهج حيث عبر بأو ( قوله : لزمه بذله ) أي فيدخل الدين ( قوله من لا يمنع الداخل على زوجته ) أي ولو لغير الزنا ومنه الخدام ، وقوله من الدخول : أي على وجه يشعر بعدم المروءة من الزوج . أما ما جرت العادة به من دخول الخادم أو نحوه لأخذ مصلحة من غير مخالطة للمرأة فالظاهر أنه لا يكون مقتضيا لتسمية الزوج بما ذكر ( قوله وإلا اعتبرت الصفة ) وهل يكفي فيها الشيوع أو لا بد من أربع كالزنا أو يكفي اثنان فيه نظر ، والأقرب الأخير لأن الطلاق يثبت برجلين ( قوله : لأنه لا يوصف بها ) أي بهذه الصفة لأنه لا ذل مع الإسلام ، ومقتضى تعويلهم على العرف أن المحتاج الضعيف إذا ترك دينه بدنياه يكون كذلك فيقتضي الحنث ( قوله : وعدم ) من باب طرب ا هـ مختار [ ص: 56 ] قوله : بان وقوعه ) أي من وقت التعليق .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وأخذ بعضهم مما تقرر إلخ . ) صريح هذا أن هذا البعض إنما أخذ من مأخذ الضعيف لأنه الذي عول على العرف ، فيكون الأخذ ضعيفا وهو خلاف ما في التحفة وعبارتها عقب المتن نصها ; إذ المرعى في التعليقات الوضع اللغوي لا العرفي إلا إذا قوي واطرد لما يأتي في الأيمان ، وكأن بعضهم أخذ من هذا أن التعليق بغسل الثياب إلخ . [ ص: 54 ] قوله : لا بنزولها ) معطوف على قوله بإعراضها فالحاصل أن النزول الشرعي لا يتصور غاية ما فيه أنه بإعراضها يستحقها هو شرعا لئلا يضيع الطفل مع عدم سقوط حقها حتى لو عادت أخذته قهرا قال الشهاب حج عقب هذا ما نصه ولو حذف قوله نزولا شرعيا فهل هو كذلك نظرا للوضع الشرعي وإن لم يذكره أو ينظر إلى اللغة والعرف المقتضيين لتسمية قولها نزلت نزولا للنظر فيه مجال ، وكذا حيث تنافى الوضع الشرعي وغيره ، وظاهر كلامهم أنه لا يحنث بفاسد نحو صلاة تقديم الشرعي مطلقا ، فمحل الخلاف في تقديم اللغوي أو العرفي إنما هو فيما ليس للشارع فيه عرف . ا هـ .

                                                                                                                            ويؤيده ما يأتي عقبه من أن السفه عدم إطلاق التصرف ، وسيأتي في الشارح في الأيمان التصريح بتقديم عرف الشرع مطلقا ( قوله : كما في المحرر ) الظاهر أنه مقدم من تأخير فمحله بعد المتن عقب قوله : وهو إذ الذي بعد هو عبارة المحرر ونصها : ويمكن أن يحمل السفه على ما يوجب الحجر ( قوله : عمل بدعواه ) أي فلا بد من إرادة [ ص: 55 ] خاصة لهذا المعنى وإلا حمل على المعنى الشرعي ( قوله : أما فيه فهو من يمنع إلخ . ) نازع الشهاب حج في كون هذا معناه شرعا وأنكر أن له معنى في الشرع ( قوله : أو الرجولية والفتوة ) أي بأن قصد بما قاله إظهار الشهامة والفتوة عليها من غير قصد تعليق وإن فهم عنه الشارح كشيخ الإسلام أنه أراد التعليق فرتبا عليه ما سيأتي في الشارح وهذا معنى غير قصد المغايظة والمكافأة كما لا يخفى ، وظاهر أنه إن قصد التعليق توقف الوقوع على وجود الصفة وهي الصورة التي ادعى الشارح كشيخ الإسلام دخولها في عبارة أصله ، فإن سلم فهي مسألة أغفلها ابن المقري من [ ص: 56 ] عبارة أصله وزاد بدلها الصورة الأولى ، وبهذا ظهر أنه لا مخالفة بين كلام ابن المقري وبين كلام أصله غاية الأمر أن كلا في كلامه صورة ليست في كلام الآخر كما تقرر ، وإلا فابن المقري لا يسعه القول بوقوع الطلاق حالا إذا قصد التعليق وما أجاب به عنه في الشرح فيه توقف لا يخفى ، وعبارة الأصلي فرع : لو تخاصم الزوجان فقال أبوها للزوج كم تحرك لحيتك فقد رأيت مثلها كثيرا ، فقال إن كنت رأيت مثل هذه اللحية كثيرا فابنتك طالق ، فهذا كناية عن الرجولية والفتوة ونحوهما ، فإن حمل اللفظ على المكافأة طلقت وإلا فلا انتهت والظاهر أن مراده بقوله وإلا فلا : أي بأن قصد التعليق أو أطلق كما هو كذلك في جميع المسائل المتقدمة ، وأما مسألة التعليق على الرجولية والفتوة فليست مرادة للأصل أصلا وإن ادعاه الشارح كشيخ الإسلام ، وبهذا يظهر أن ابن المقري لم يغفل من أصله شيئا وإنما زاد عليه المسألة المتقدمة ( قوله : وليس بفعل ) أي في العرف ولا في اللغة فلا ينافي قول الأصوليين : لا تكليف إلا بفعل ( قوله : فوجد في البيت هاونا طلقت حالا ) أي لأنه تعليق بمستحيل في النفي ، والهاون بفتح الواو وضمها ويقال هاوون بواوين كما في القاموس




                                                                                                                            الخدمات العلمية