الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثالث : اختلفوا في أول زمان يصح فيه سماع الصغير ، فروينا عن موسى بن هارون الحمال - أحد الحفاظ النقاد - أنه سئل : متى يسمع الصبي الحديث ؟ فقال : " إذا فرق بين البقرة والدابة " ، وفي رواية : " بين البقرة والحمار " .

وعن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه سئل : " متى يجوز سماع الصبي للحديث ؟ " فقال : " إذا عقل وضبط " ، فذكر له عن [ ص: 130 ] رجل أنه قال : " لا يجوز سماعه حتى يكون له خمس عشرة سنة " ، فأنكر قوله وقال : " بئس القول " .

وأخبرني الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله الأسدي ، عن أبي محمد عبد الله بن محمد الأشيري ، عن القاضي الحافظ عياض بن موسى السبتي اليحصبي قال : " قد حدد أهل الصنعة في ذلك أن أقله سن محمود بن الربيع " ، وذكر رواية البخاري في صحيحه بعد أن ترجم : " متى يصح سماع الصغير ؟ " بإسناده عن محمود بن الربيع قال : " عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو " ، وفي رواية أخرى : أنه كان ابن أربع سنين ، ( والله أعلم ) .

قلت : التحديد بخمس هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين ، فيكتبون لابن خمس فصاعدا ( سمع ) ، ولمن لم يبلغ خمسا ( حضر ) ، أو ( أحضر ) .

والذي ينبغي في ذلك أن تعتبر في كل صغير حاله على الخصوص ، فإن وجدناه مرتفعا عن حال من لا يعقل فهما للخطاب وردا للجواب ونحو ذلك صححنا سماعه ، وإن كان دون خمس ، وإن لم يكن كذلك لم نصحح سماعه ، وإن كان ابن خمس ، بل ابن خمسين .

[ ص: 131 ] وقد بلغنا عن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال : " رأيت صبيا ابن أربع سنين قد حمل إلى المأمون قد قرأ القرآن ، ونظر في الرأي ، غير أنه إذا جاع يبكي " .

وعن القاضي أبي محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني قال : " حفظت القرآن ولي خمس سنين ، وحملت إلى أبي بكر بن المقرئ لأسمع منه ولي أربع سنين ، فقال بعض الحاضرين : لا تسمعوا له فيما قرئ ، فإنه صغير ، فقال لي ابن المقرئ : اقرأ سورة الكافرين ، فقرأتها ، فقال : اقرأ سورة التكوير ، فقرأتها ، فقال لي غيره : اقرأ سورة المرسلات ، فقرأتها ، ولم أغلط فيها . فقال ابن المقرئ : سمعوا له والعهدة علي " .

وأما حديث محمود بن الربيع : فيدل على صحة ذلك من ابن خمس مثل محمود ، ولا يدل على انتفاء الصحة فيمن لم يكن ابن خمس ، ولا على الصحة فيمن كان ابن خمس ولم يميز تمييز محمود رضي الله عنه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية